بحث عن ابن بطوطة مختصر

بحث عن ابن بطوطة مختصر

ابن بطوطة هو محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي ولد في طنجة يوم الاثنين ١٦ رجب عام ۷۰۳هـ (٢٤ فبراير ١٣٠٤) ونشأ بها، ولم يغادرها قبل رحلته فيما نعلم، فهو إذن قد تلقى دراسته على أيدي مشائخها، وتكوين تكوينا صالحا في علوم العربية والفقه والتصوف، يدلنا على ذلك أنه أخذ خطيب البصرة باللحن، وجعله عبرة لنفير الأحوال حتى صارت المدينة التي إلى أهلها انتهت رئاسة النحو، لا يقيم خطيبها خطبة الجمعة كما يدلنا على ذلك توكيه قضاء الركب التونسي للحج فور انفصاله عن المغرب، أما جنوحه الى لقاء مشائخ الصوفية والأخذ عنهم في رحلته، فهو أيضا مما يدلنا على ما قلناه عن نوع دراسته.

وعلى كل حال فهو قد اشتغل بطلب العلم منذ صباه، وأشبع نهمته من قبل أن يتجه الى الرحلة، فنحن لا نراه فى تجوله يقصد أحدا من أهل العلم للدراسة عليه، إلا أن يكون على سبيل التبرك واتصال السند كما هي عادة المشائخ ورجال العلم. 


ونعتقد أن ذلك مما أعانه على رحلته الطويلة، فإن الرجل إذا كان من أهل العلم تمهد أمامه السبيل ووجد الناس في خدمته كلما حل.

بحث عن ابن بطوطة مختصر


يضاف الى ذلك تربيته الدينية التي جعلت منه رجلا قوی الایمان، شديد الصبر على المكاره، واثقا بالعناية الالهية، مما كان له أكبر الأثر في اتساع رحلته وإقدامه على المخاطر بشجاعة وثبات، ولا أدل على متانة دينه من أن باعثه الأول على الرحلة، كان هو ارادة الحج وأداء هذه الفريضة التي لا تجب على الفور، كما أشار لذلك في أول رحلته، لا سيما وهو شاب أمامه متسع من الوقت للقيام بهذه العبادة، لكنه كان شابا نشأ في عبادة الله، فلا غرو إذا سعى مبكرا لاستكمال قواعد دينه


ومما يذكر من العوامل التي ساعدته على طول الرحلة أنه كان ذا أخلاق اجتماعية، سريع التأقلم أي التكييف بطبيعة الاقليم الذي يستقر به والاندماج في أهله، ومواطاتهم على عاداتهم ومألوفاتهم حتى يصير كانه واحد منهم، وكأنما والد بين ظهرانيهم وعاش معهم زمنا طويلا ولعل لبلده طنجة التي هي طریق رئیسی بين الشرق والغرب، وملتقى لمختلف الأجناس والعناصر، وطبيعة أهلها المرحة المنشرحة دخلا في ذلك، وهذا العامل هو الذى سهل له التغلغل في الأوساط المختلفة، وجعل رحلته سجلاً مهما للحياة الاجتماعية في أكثر البلاد التي زارها. (١)


أسرته


ينتمى ابن بطوطة الى أسرة علمية من أهل طنجة، ظهر فيها القضاة ومشائخ العلم، وقد أشعر بذلك قوله في الرحلة، لما خيره ملك الهند بين وظائف الوزارة والكتابة والقضاء: أما الوزارة والكتابة فليست شغلى، وأما القضاء والمشيخة فشغلى وشغل آبائي وكان أحد أبناء عمومته یلی قضاء مدينة الرندة ببلاد الأندلس لما دخل اليها في رحلته.


وهذه الأسرة أصلها من قبيلة لواتة، وهي احدى القبائل المغربية التي نبغ فيها كثير من العلماء والفضلاء. (٢)


صفاته


  1. أول ما ندرك من صفات ابن بطوطة حبه أو شغفه - بل هيامه بالسفر والرحلة. 
  2. كان كريماً على نفسه أدبيا وماديا: إذا نزل بلدا أحب أن يتعرف إلى كبار الرجال فيه، وأن ينال فيه مكانا بارزا مرموقا، وكان في أكثر هذه البلاد ينزل ضيفا على ملوكها وأمرائها وكبار رجالها، يستضيفونه هم اول ما ينزل بلدهم أو يعرفون بعد قليل نبأ مقدمه عليهم فيستدعونه إليهم أو يخصصون له بيتا يقيم فيه.
  3. كان رجلاً نافعا: ولم يكن ابن بطوطة في رحلاته مشغولا بالرحلة والمتاع وحدهما، بل كانت له مشاركة في الخير، وإصلاحات ذات قيمة في كثير من البلاد التي زارها، كما فعل فى مصر حين رد الناس الى الحق في شأن أنكره عليهم. (٣)


ثقافته


مستواه الثقافي كان على شاكلة أهل عصره، يؤمن، بالكرامات والأحلام والخرافات، ولكنه كان أحيانا يميز بين الحقيقة والخرافة: يذكر بعض القصص في حديثه عن الهند ثم يقول انها خرافة كاذبة ولكنه رواها لشهرتها عندهم وله شعر روى بعضه في الرحلة ولكنه ركيك يشبه شعر الفقهاء أكثره في المدح وله بعض صفحات جيدة الأسلوب، ونجد له وصفا لسفره فى صحراء السودان كأنه شعر. (٤)


رحلاته باختصار


حمل ابن بطوطة خلال حياته عصا الترحال والتجوال في كل ديار الإسلام وبلغ بلاد بعيدة خارج العالم الإسلامي وسار في طريق امتدت من شواطيء الاطلسي الى شواطىء المحيطين الهندي والهادي وبلغ اليمن والهند وآسيا الوسطى والصين ومر بإفريقية الشرقية وجزر المالديف وسيلان والملايو وإندونيسيا. 


أما رحلته إلى الصحراء والسودان العربي (٧٤١ هـ / ١٣٥٢ م - ٧٤٣هـ / ١٣٥٣م) فيبدو أنها كانت آخر رحلاته الكبرى، انسحب بعدها الى فاس ليدخل بلاط السلطان أبي عنان المريني في المغرب الأقصى.


وكان ابن بطوطة قد قام بأولى رحلاته الكبرى ما بين ١٣٢٤/٧٢٥ - ١٣٤٩/٧٣٨، وجاب فيها أقطار شمال إفريقية ومصر والمشرق العربي وإفريقية الشرقية وجزيرة العرب واليمن وقصد القسطنطينية ثم عاد الى الهند.


أما في الرحلة الثانية ١٣٥٠/٧٣٩ - ٧٤٠ / ١٣٥١ فقد وصل الأندلس وجبل طارق وغرناطة.


وأما الرحلة الثالثة وهي تقع في أواسط القرن الثامن الهجري / القرن الرابع عشر الميلادي. (٥)


نتائج رحلته


شيخ الرحالين: ابن بطوطة المتوفي عام 1377م قضى ثمانية وعشرين عاما من حياته يتنقل في أجزاء كثيرة من العالم وأمضى أكثر من نصف عمره وهو يتجول ويختزل في ذاكرته المشاهد والأخبار والصور وفي بلاط أبي عنان المريني تحدث هذا الرحالة عن أسفاره وعما شاهده في هذه الأسفار، وعلى من التقى بهم، واعجب السلطان بما سمح، ولذلك صدرت إرادته الى الرحالة بأن يملي ما شاهده على كاتبه (ابن جزي) ووضع هذا الكاتب تحت تصرف هذا الرحالة والعالم.


وكما هو معلوم فإن ابن بطوطة كان فقد أوراقه أكثر من مرة في هذا الترحال: ولذلك أملى "الرحلة" من (الذاكرة) ... ومن هنا بدأ في الرحلة شيء من الخلط الذي أثار بعض الريب من معاصريه ومن جاء بعدهم مثل ابن خلدون.


ومن ثمار رحلة ابن بطوطة أنها كانت (شهادة على عصره) وحافلة بالمعلومات، وكانت قليلة الحفاوة بالارض والمدن في حين كان اهتمامها عظيما بالناس وخاصة بالعلماء والأولياء، فبهذه الصورة يمكن أن نعد ابن بطوطة مؤرخا اجتماعيا للمسلمين في عصره. (٦)


وفاته


وقد اختلف من كتب عن ابن بطوطة حول سنة وفاته والمكان الذي دفن فيه فيرى الدكتور حسين مؤنس أنه زار ضريحة في زاوية بطوطة قرب سوق أحرضان.


في حين أن الدكتور عبد الهادي التازي يرى غير ذلك فيقول: إذا كان مترجموه أهملوا الحديث عن ظروف وفاته فإن الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة يفيد أن إبن بطوطة بقي إلى سنة سبعين وأدركته وفاته وهو متول للقضاء يعنى حتى عهد السلطان عبد العزيز بن أبي الحسن أخي السلطان أبي عنان، مما يعنى أن أجله أدركه (بتامسنا) التي كانت عاصمتها آنذاك وليس بفاس ولا بطنجة. (٧)



قائمة المراجع:


١- عبد الله كنون، ابن بطوطة، مجلة العربي، العدد ١٤٦، ١٩٧١، ص ١٦٤.


٢- المرجع السابق نفسه، ص ١٦٣-١٦٤.


٣- محمود الشرقاوي، ٦٠٠ سنة على وفاة ابن بطوطة، مجلة الهلال، العدد ١٢، ١٩٦٨.


٤- المرجع السابق نفسه، ص ٣١.


٥- محمد حرب فرزات، كانديد في إفريقية أو رحلة ابن بطوطة، مجلة الآداب الأجنبية، العدد ٣٨-٣٩، ص ٤٩-٥٠.


٦- رشيد الذوادي، أضواء على رحلة ابن بطوطة إلى المشرق العربي، مجلة الإتحاف، العدد ٨١، ١٩٩٧، ص ١٠.


٧- جلال السعيد الحفناوي، الهند في رحلة ابن بطوطة: دراسة حضارية، مجلة ثقافة الهند، العدد ١-٥٦، ٢٠٠٥، ص ٨-٩.


مكتبة جواد
مكتبة جواد
تعليقات