بحث عن أبو العلاء المعري مع المراجع
حظِيَ أبو العلاء المعرّيّ باهتمام الدارسين قديماً وحديثاً؛ لما امتاز به من ميزات شخصية وأدبية ميّزته عن باقي الشعراء وجعلته رمزاً من رموز الإبداع العربي المهمة وموسوعة ثقافية للباحثين.
وهو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان المعرّيّ المولود بمعرّة النُّعمان سنة (٣٦٣هـ)، والمتوفى سنة (٤٤٩هـ)، ولُقِبَ بالمعرّيّ نسبة إلى مدينة معرّة النّعمان في بلاد الشام التي وُلِدَ فيها وعاشت على أرضها أسرته التي نبغ فيها الأدباء والقضاة، حيث كان جدُهُ سليمان يتولى قضاء المعرّة وأبوه كان شاعرًا إلى جانب تمتعه بثروةٍ لغويةٍ واسعةٍ، وعمهُ أبو بكر محمد بن سليمان كان شاعراً وقاضياً فضلاً عن أخويه محمد وعبد الواحد الّلذين كانا من الشعراء المعروفين في المعرّة.
لذا نشأ أبو العلاء المعرّيّ في بيئةٍ اتّسمت بالطابع الدينيّ واللغويّ، فضلاً عن النبوغ الشعريّ، وسعة اطلاع أبنائها، وعمق دراستهم في أصول الدين، وكانت هذه الروافد الأساس الأول لثقافة أبي العلاء الذي استند إليه واستمد منه كلّ مقومات اللغة والفقه.
وينحدر المعرّيّ من أسرةٍ عربيةٍ يرجع نسبها إلى قبيلة تنوخ اليمانية وجاء في الإنصاف والتحري، ضمن كتاب تعريف القدماء بأبي العلاء: "وتنوخ أكثر العرب مناقب وحسباً، ومن أعظمها مفاخر وأدباً، فيهم الخطباء والعلماء، والبلغاء والشعراء".
أُصِيبَ أبو العلاء بمرض الجدري في السنة الرابعة من عمره، ولم يكن يُميّز من الألوان إلاّ اللون الأحمر؛ لأنّه أُلبِسَ لمّا أُصِيبَ بالجدري قميصاً أحمر، مما كان له الأثر الفاعل في تكوين فلسفته العلائية.
تلّقى علوم العربية على يد أبيه وأسرته، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، وقد أسعفته ذاكرته وذكاؤه الحاد على البحث والدرس والاستقصاء، فلم يقف فقدان بصره عائقاً أمام نبوغه الذي أخذ يتطور عندما درس على أيدي أبرز الشيوخ والفقهاء والرواة الذي كان من أبرزهم: أبو بكر محمد بن محمد النّحويّ، ومحمد بن عبد الله بن سعد راوية أبي الطيب المتنبي وغيرهم كثيرون. (١)
ثقافته وشعره
كان أبو العلاء آية خارقة في الذكاء وقوة الحافظة حتى قالوا إنِّه كان يلعب النرد والشطرنج، وعُرض عليه ذات يوم كفٌّ من اللّوبيا، فأخذ منها واحدة ولمسها بيده، وقال: ما أدري ماهي، إلا أني أُشَبهها بالكُلية، فتعجبوا من فِطنته وإصابة حدسه، وإذا سمع حديثا بلغةٍ غير العربية حفظه بحذافيره، وقد تحول يعبُّ وينهل من ثقافات عصره حتى استوعبها جميعا العربية منها والمترجم من اليونانية فلسفة وغير فلسفة، أو الهندية والفارسيّة، فكل ذلك بالإضافة إلى الثقافتين الإسلامية والعربية تمثله أبو العلاء تمثلا حيا خصبا، يرفعه إلى أعلى منزلة من الثقافة.
وقد غلب على شعره صوت اليأس من الناس والحياة، والمعرفة بالدهر وتصاريف أيامه ولياليه، وهو يذكر الليل وظلمته كثيرا، ولعل ذلك يعود لفقده والده ومن ثم أمه وهو في طريق العودة من بغداد، بالإضافة إلى فقده لبصره، ومع هذا التشاؤم والزهد في الحياة، إلا أننا نجد في كثير من أبياته شعوراً عميقاً بأنه مقصر مهما قدم لربه من عبادة، ومع هذا فهو آمل في غفران الله.
ولاشك أن غزارة الإنتاج الشعري لديه دليل على هذه الثقافة التي تكونت وتجمعت من كل المشارب والأمم, فدواوينه الكثيرة خير دليل على ذلك، والمعرِّي تأثر في شعره بالمتنبي ويُعد تلميذًا نجيبًا لشعر المتنبي، وقد قيل: إذا كان المتنبي شاعرًا يتفلسفُ فالمعرِّي فيلسوف يتشاعر. والمقولة من باب التقريب بين الشاعرين لا من باب نفي الفلسفة عن الأول، أو الشعر عن الثاني، إذ إن المعرِّي قد جمع بينهما. (٢)
آثاره ومؤلفاته
ساق القفطي عددًا من الدواوين والرسائل والكتب التي يقول عنها: إنني رأيتها ووقفت عليها ففي الشعر: ديوان سَقْط الزَّنْدِ، ولزوم ما لا يلزم، وملقى السبيل، وذكرى حبيب، وعبث الوليد، وزجر النابح، ومن الكتب والرسائل: جامع الأوزان، والقائف، وسجع القفيه، والسادن، والإقليد، والسجع السلطاني، ورسالة الغفران، ورسالة التعزية، ورسالة المنيح، ورسالة الإغريض.
ولعل أكثرها شيوعا وانتشارا وقبولا بين الناس ديوان سقط الزند واللزوميات بالإضافة إلى رسالة الغفران.
وقد بقي منها سقط الزند، ولزوم ما لا يلزم، ورسالة الغفران، وجامع الأوزان، وملقى السبيل. وشَرَحَ ديوان المتنبي وسمَّاه (معجز أحمد). (٣)
قائمة المراجع:
١- محمد جبار حدّاد الساعدي، ألفاظ الطبيعة والإنسان في شعر أبي العلاء المعرّيّ (دراسة في ضوء نظرية الحقول الدّلاليّة)، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، ٢٠١٣، ص ١-٣.
٢- تركي بن نزال الحمزي الشمري، الألفاظ المُعرَّبة في ديوان سَقَطِ الزَّنْدِ لأبي العلاء المعري عرضاً ودراسة، رسالة ماجستير، كلية اللغة العربية، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ١٤٣٤هـ، ١٥-١٦.
٣- المرجع السابق نفسه، ص ١٦.