الفارابي، حياته، مؤلفاته، فلسفته
ولد أبو نصر محمد بن محمد بن طرفان بن أوزلغ الفارابي في عام ٢٦٠ هجرية في فاراب بالفرس.
هذا ولقد ولد الفارابي في أسرة ميسورة الحال، حيث كان والده قائدا في الجيش التركي.
ولقد هاجر الفارابي إلى بغداد ودرس اللغة العربية وتعلم النحو على يد أبي بكر محمد بن السرى بن السراج اللغوي البغدادى (ت٣١٧هـ) ودرس المنطق على أبي بشر متر بن يونس المنطقي (ت ٣٢٩هـ) على ما يذكره ابن خلكان، وابن النديم.
وكان الفارابي في أول أمره ناطورا في بستان بدمشق، وهو على ذلك دائم الاشتغال بالحكمة والنظر فيها، والتطلع إلى آراء المتقدمين وشرح معانيها وكان ضعيف المال حتى أنه كان يسهر للمطالعة والتصنيف، ويستضئ بالقنديل الذي للحارس. وبقى كذلك مدة، ثم عظم شأنه وظهر فضله واشتهرت تصنيفاته، وكثرت تلاميذه، وصار أوحد زمانه وعلامة وقته.
وفي بغداد ألف الفارابي أكثر كتبه، ثم انتقل إلى مدينة حران، ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد، ثم منها إلى دمشق، ثم قام برحلة قصيرة الأمد إلى مصر، ثم عاد إلى حلب، ثم توفي في دمشق.
وكما يتضح من رحلة حياة الفارابي أنه كان مولعا بالتنقل والأسفار بين بلاد الإسلام.
ولقد تأثر الفارابي بفكر أفلاطون في الأخلاق والسياسة، وكذلك بفكر أرسطو في المنطق والطبيعيات. (١)
مؤلفاته
بالرغم من فقدان كثير من المؤلفات من كتب الفارابي رحمه الله، إلا أنه يعرف له مائة وسبعة عشر مؤلفا، منها ثلاثة وأربعين في المنطق وأحد عشر مؤلفا في ما وراء الطبيعة، وسبعة في الأخلاق، وسبعة في السياسة، وسبعة عشر في الموسيقى والطب وعلم الاجتماع، وأحد عشر كتابا في مجال الشرح والتعليق.
وكان رحمه الله في تأليفه حسن العبارة، لطيف الإشارة، وكان يستعمل في تأليفه البسط والتذليل، حتى قال بعض علماء هذا الفن: ما أرى أبا نصر أخذ طريق تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلا من أبي بشر، يعني شيخه المذكور، وكان أبو نصر يحضر مجلسه من جملة تلامذته.
قال الذهبي في العبر: ذو المصنفات المشهورة في الموسيقى التي من ابتغى الهدى فيها أضله الله.
وقال في السير: له تصانيف مشهورة من ابتغى الهدى منها ضل وحار.
قال ابن صاعد في وصف تصانيفه: أخذ صناعة المنطق عن يوحنا بن جيلان، فبذ عن جميع أهل الإسلام فيه، وأتى عليهم في التحقق بها، فشرح غوامضها، وكشف سرها، وقرب تناولها، وجمع ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة، لطيفة الإشارة، منبهة على ما أغفله الكندي وغيره، من صناعة التحليل وأنحاء التعليم، وأوضح القول فيها عن مواد المنطق الخمس، وأفراد وجوه الانتفاع بها، وعرف طرق استعمالها، وكيف تعرف وجوه القياس في كل مادة منها، فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكافية، والنهاية الفاضلة.
ثم له بعد هذا كتاب شريف في إحصاء العلوم، والتعريف بأغراضها لم يسبق إليه، ولا ذهب أحد مذهبه فيه، ولا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به، وتقديم النظر فيه.... ثم بدأ يسرد الحديث في وصف بعض كتبه الأخرى. (٢)
وهذه أهم مؤلفاته:
شرح كتاب البرهان لأرسطو - شرح كتاب المغالطة لأرسطو - شرح كتاب القياس لأرسطو - كتاب المختصر الصغير في المنطق - البرهان الجدل - شروط القياس إحصاء العلوم وترتيبها - كتاب الفلسفتين أفلاطون وأرسطو - الموسيقى الكبير - التنبيه على أسباب السعادة - كلام جمعه من أقاويل النبي صلى الله عليه وسلم يشير فيه إلى صناعة المنطق كتاب في الخطابة كبير عشرون مجلدة - كتاب في الحيل والنواميس - كلام في أعضاء الحيوان - كتاب في اللغات - جوامع السياسة - مقالة في وجوب صناعة الكيمياء والرد على مبطليها - ماهية النفس - كتاب في صناعة الكتابة - شرح السماء والعالم - الرد على النحوي - الرد على الراوندي وسائر كتبه في الرياضي والإلهي، وهذه تعتبر أهم مؤلفات الفارابي. (٢)
المسائل الفلسفية عند الفارابي والنقد الموجه إليها
أخذ المعلم الثاني عن غيره، ولكنه وضع فلسفته في الإطار الذي يتلاءم وظروف البيئة التي عاش فيها، فقد أخذ عن أرسطو وأفلاطون وفلوطين، ولكنه مزج كل ذلك وصبغه بصيغة إسلامية واضحة. وفلسفة الفارابي تعد من الفلسفات ذات المعالم الواضحة والأهداف المحددة ترتبط أجزاؤها بعضها ببعض ارتباطا وثيقا بحيث تبدو منسجمة متناسقة، فلئن كان المعلم الثاني أرسطاطليسا في المنطق والطبيعيات أفلاطونيا في الأخلاق والسياسة، أفلوطينيا في فلسفة ما بعد الطبيعة، فهو قبل كل شيء فيلسوف الانتقاء والتوفيق، والمؤمن بوحدة الفلسفة المدافع عنها في كل حال.
وهذه حقيقة أكد عليها الفارابي حيث قال إن الفلسفة واحدة بالرغم من اختلاف مذاهبها لأنها تتبدل من زمان إلى زمان ومن مدرسة إلى مدرسة ومن معلم إلى أخر من غير أن تتبدل غاياتها ومقاصدها.
وإذا كانت الفلسفة واحدة كان من الواجب على الفيلسوف أن يجمع بين الآراء المختلفة للارتقاء منها إلى قمة واحدة تجمع بينها، وهذه القمة هي الحقيقة لذلك كان الفارابي يرد أن يدرس كل شيء، وكان يميل إلى النظر في الأمور من كل ناحية وإلى البحث في جميع الاحتمالات الممكنة وكان يسعى إلى التوحيد والتعميم سعيه إلى التقسيم والتفصيل.
من هنا يتناول المستشرق دي بور الفارابي من الناحية الفلسفية فيقول: إذا نظرنا إلى فلسفة الفارابي في جملتها وجدنا مذهبا روحانيا متسقا تمام الاتساق.
لأن الفارابي وما لفه من تراث عقلاني عرفاني هو حجر الزاوية الصلد في بناء شرح الفلسفة الإسلامية الصحيحة الناهدة إلى المثالية والكمال المطلق الخالي من الشوائب والدران، وستظل أفكاره الحقانية تتبوأ الصدارة حتى بطل على العالم الإسلامي عبقري جديد يفعل ما فعله الفارابي في عصره. (٣)
انجازاته
للفارابي مجموعة من الإنجازات التي جعلته عالما وفيلسوفا لامعا في العصر الإسلامي الذهبي، ومن هذه الإنجازات ما يلي: (٤)
- حصل الفارابي على لقب (المعلم الثاني) وذلك لعلمه وفلسفته الواسعة، بعد أن اطلق اسم (المعلم الاول) على الفيلسوف أرسطو.
- الفارابي هو أول عالم وفيلسوف إسلامي كتب عن السياسة، كتب عن مفهوم الدولة والقيادة على أساس الشريعة الإسلامية.
- قام الفارابي بترجمة العديد من الكتب الفلسفية لفلاسفة اليونان، وقام كذلك بتوسيع مفاهيمهم الفلسفية.
أقواله
للفارابي مجموعة من الأقوال والاقتباسات، نسردها لكم كالآتي: (٥)
- المدينة الفاضلة يجب أن تتمسك بالعدالة والعدل، وتكره الظلم والاستعداد.
- أن قبول الشيء على مجرد الظن وعدم التحقق منه يؤدي إلى الضلال والتعليم.
- الفن الذي يسعى إلى تحقيق الجمال يسمى فلسفة.
- أعظم الفضائل هو العلم.
- أن الدولة التي تقوم على المحبة تستمر بالعدل.
- يصبح الإنسان شخصا بفضل العقل.
- لا تبكي على موت الشخص، بل ابكي على المجتمع الذي فقده.
- الأشخاص الذين يتكلمون كثيرا يجب أن تستمع لهم بأختصار.
- الشخص الذي يتكلم جيدا لا يسمع كلاما سيئاً من أحد.
وفاته
قال ابن صاعد ولم يزل أبو نصر الفارابي بدمشق في كنف الأمير سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي إلى أن توفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، وقد ناهز الثمانين سنة، وصلى عليه سيف الدولة في أربعة من خواصه ودفن بظاهر دمشق خارج باب الصغير رحمه الله تعالى.
وقال ابن أبي أصيبعة: صلى عليه سيف الدولة في خمسة عشر رجلا من خاصته.
وتوفي أعزبا (٦).
اقرأ أيضا: ابن سينا، حياته وفلسفته
قائمة المراجع:
١- موزه أحمد راشد العبار، البعد الأخلاقي للفكر السياسي الإسلامي عند الفارابي والماوردي وابن تيمية "دراسة تحليلية نقدية في فلسفة السياسة"، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة الاسكندرية، ٢٠٠٠، ص ١٨٤.
٢- محمود خليفة محمود حفناوي، أقوال الفيلسوف أبي نصر الفارابي في كتب التفسير جمع ودراسة، مجلة الزهراء، المجلد ٣١، العدد ٣١، ٢٠٢١، ص ٢٤٩٠- ٢٤٩١.
٣- د. فضلون محمد محمد مصطفى، الفكر الفلسفي عند الفارابي (عرض ونقد)، مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بسوهاج - العدد السابع والعشرون يناير ۲۰۲۱، ص ١٥-١٦.
٤- Science4Fun, Al-Farabi (Biography - Discoveries - Facts), 2023.
٥- Nazmi Tarım, Alpharabius Quotes, Universal Quotes, Published in 2019.
٦- محمود خليفة محمود حفناوي، مرجع سابق، ص ٢٤٩٣.