التقويم التكويني، مفهومه، أهدافه، خصائصه، عناصره

التقويم التكويني، مفهومه، أهدافه، خصائصه، عناصره

لقد ظهرت عملية التقويم منذ وجود الحضارات القديمة كالسومرية والبابلية والآشورية والآرامية والكنعانية والمصرية والهندية  حيث كان التقويم شفويا. 

وهكذا بقيت عملية التقويم بصورتها الاولية والتي تعد صورة غير منظمة بالرغم من استخدام الامتحانات التحريرية والشفوية كجزء مصاحب لعملية التعليم منذو وقت طويل. 

ولذلك نقول إن عملية التقويم عملية  قديمة إذ لم يخلُ نظام تعليمي في أي عصر من العصور من أي أسلوب من أساليب التقويم فقد استخدمت أساليب منظمة وغير منظمة منذ وجود طلاب يتعلمون ومدرسين يعلمون وكان هناك اهتماماً بنتائج التعليم.

ومن هنا بدأت بوادر الدراسات العلمية المنظمة للقياس التربوي في بداية القرن الماضي  وبفضل جهود عدد من الأعلام البارزين  الذين تعد أعمالهم علامات مميزة في تاريخ حركة القياس التربوي امثال (1845 Man) و (Rice 1891) و (Thorndike 1918) و (Ebel,1969 ;778).

وتأكيدا على ما تقدم ظهرت أبحاث عديدة لخصها كل من (ستيفانز 1951) و(انتوني وميركهوفر 1954) إذا تشير إلى أن الاستخدام المستمر للاختبارات القصيرة وللامتحانات لاسيما إذا ما صاحبها تغذية راجعة وتفصيلية للطلاب ترتبط بمستوى أداء الطلاب ذلك لأن هناك متطلبات كثيرة ومتعارضة تأخذ من وقت الطالب مما تزيد من احتمال تأجيله لمذاكرته وعمله. 

وفي عام 1967 أطلق (سكريفين) مصطلح التقويم التكويني في معرض حديثة عن تطوير المناهج وقد أوصى أن يجرب واضعوا المناهج المواد والطرق المختارة على عينات من الطلاب والمدرسين لجمع الدليل على فعالية تلك المواد والطرق التدريسية المتبعة فيها ونوع الاختبارات التكوينية المقترحة.

لقد جاءت لفظة التقويم التكويني ضمن الأساليب والطرق التدريسية وبدأت الدراسات والأبحاث تظهر بهذا المجال فعلى الصعيد العالمي ظهرت دراسات عديدة منها دراسة فيل واوكي  1975 ثم جاءت بعدها دراسة بروس واوكي 1979 ومن ثم دراسة سبرتني  ودن 1986. 

أما على الصعيد العربي فقد توالت دراسات عديدة بهذا المجال منها دراسة رجب 1986 ودراسة إبراهيم 1988 ثم دراسة احمد 1991 ودراسة القيسي 1995.

وأكدت جميعها على أنها من الطرق التدريسية ذات الفعالية الكبيرة للنهوض بالمستوى العلمي للطلبة وعلى استيعاب القدر الأكبر من المادة الدراسية. (١)

تعريف التقويم التكويني

ويسمى أيضا بالتقويم التطويري ويتم هذا التقويم أثناء عملية التعلم،كما أنه يحدد مدى تقدم التلاميذ (الطلاب) خلال العام الدراسي، وللتعرف على قدراتهم ومدى استعدادهم للتعلم في المراحل التالية من المنهاج، وتهيئة تغذية راجعة مستمرة، كما يمكن استخدامه في تقويم المنهج للتعرف على مدى ملائمته ومدى الحاجة إلى إدخال تعديلات لازمة لتطويره بعد التعرف على نواحي الضعف والقوة والاستفادة من النتائج لتوجيه مسار التطوير بالإضافة إلى إثارة دافعية المتعلم للتعلم والاستمرار فيه، وأهمية التقويم التكويني أو البنائي تكمن في انه يمد المعلم بمعلومات حول التغذية الراجعة.

ويعرف التقويم التكويني بأنه هو التقويم الذي يجرى أثناء العملية التعليمية وباستمرار وذلك لغرض المتابعة التشخيصية المستمرة للمتعلم وتقديم التغذية الراجعة لتصحيح التكرارات الخاطئة والوصول بالمتعلم إلى التعلم المثالي لتحقيق الأهداف المطلوبة. (٢)

أهداف التقويم التكويني

قد تم اختيار التقويم التكويني من بين أنواع التقويم المختلفة لأنه من الأساليب التي يمكن استخدامها بسهولة في التدريس والأكثر أهمية من بقية الأساليب لأنها تحقق عدة أهداف في مجال تدريس الطلبة منها:

1. اثارة دوافع الطلاب للتعلم: من الحقائق المقرره في العلم الانساني ان الاختبارات تنمي دوافع الطلاب للتعلم كما أن معرفة الطالب بالنتائج يجعل تعلمه أكثر جودة واسرع تقدماً وأبقى  اثراً كما أن التقويم التكويني يساعد الطالب في تعلم المادة والسلوك المتضمن في كل وحدة تعليمية. 
2. تنظيم تعلم الطلاب: من المحتمل أن يكون تنظيم سرعة المتعلم اكفأً باستخدام التقويم التكويني فحينما تكون المادة التعلمية في مقرر ما متتابعة أي عندما يكون تعلم الوحدتين الأولى والثانية متطلباً أساسيا لتعلم الواحدات الثالثة والرابعة فمن الضروري أن يتمكن الطلاب من الوحدتين الاولى والثانية قبل الثالثة  والرابعة وهكذا الى نهاية المقرر الدراسي. وكما انه يحلل المتواليه التعليمية الكلية الى وحدات اصغر يتم تعلمها بالمعدل المناسب لكل تلميذ ثم يقوم للتأكد من الاتقان. 
3. تشخيص الصعوبات: بعد إعطاء اختبار تقويم تكويني يمكن للطالب معرفة الأسئلة التي اخطأ في الإجابة عنها والأخرى الصحيحة وبالتالي ستتوافر لديه المعلومات عن الاجزاء التي يجب أن يراجعها ويتعلمها ثانية ومن خلال معرفة الصعوبات اصبح بامكانه تحديد جوانب القوة والضعف في تحصيل الطلاب وفي جوانب نموهم. 
4. تعزيز التمكن: من الصعب على الطلاب معرفة إذا ما كان تعلمهم مرضياً أم لاخاصةً إذا كانوا يواجهون مادة تعليمية جديدة وتعد نتيجة الاختبار التقويمي تعزيز مثمر ومكافئ للطلاب الذين وصلوا إلى مستوى التمكن او الى اقرب مستوى له وذلك أن الطلاب  تتوافر لديهم تغذية راجعة ايجابية عن كل وحدة تعليمية وكلما تكرر وجود الدليل على مستوى التمكن (درجات الاختبار) كان ذلك تعزيزاً لهم. 
5. توفير تغذية راجعة للمدرسين: أن الأخطاء التي يرتكبها القلة من الطلاب في اختبار تكويني هي اخطاء يمكن تداركها بالمقارنة الى الأخطاء التي يقع بها غالبية  الطلاب وذلك لانها تشير الى صعوبة في المادة الدراسية أو الطريقة التي يستخدمها المدرس في توصيل هذه المادة الدراسية. 
6. التنبؤ بنتائج التقويم النهائي: تعد الاختبارات التكوينية اختبارات تحصيلية تقيس وحدات معينة بينما تعتبر الاختبارات النهائية اختبارات تحصيلية ايضاً تقييس  عدداً من الوحدات التعليمية. ويمكن عن طريق الارتباط بين الاختبارات التكوينية والاختبارات التحصيلية التربوية التنبؤ بنتائج التقويم النهائي بينما العملية التربوية ما زالت مستمرة ويمكن تغيير هذا التنبؤ اذا شاء كل من المدرس والطالب.
7. التعلم للإتقان: يقدم التقويم التكويني المساعدة للمتعلم في تعلمه للمادة الدراسية وإحراز الأهداف التعليمية لكل وحدة من وحدات التعلم، وبهذا يتحقق التعلم للإتقان ولاسيما إذا كان التعلم على درجة ملائمة من التفريد ومن الخطوات التي تقودنا الى هذا التفريد التقويم التكويني إذا صحبه تنوع في المواد وفي أساليب التدريس بحيث يتيح للمتعلم فرصة تعويض نقائصه في تعلم وحدة معينة. (٣)

خصائص التقويم التكويني

1. التقويم التكويني عملية شاملة: ويقصد بهذا، أن على المكون أن يأخذ بعين الاعتبار مجموع الأهداف التربوية، أي الأهداف الخاصة بالمعرفة (savoir) وبالمعرفة الفعلية ( savoir - faire) والمعرفة الوجدانية (savoir - être) بحيث تنتمي كل معرفة إلى مجال من مجالات التكوين المعرفي الوجداني والنفس - حركي المراد إخضاع المتعلم لها باعتباره وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة في تكوينها.
2. يبنى التقويم التكويني على معايير: على المكون القيام بتحديد المعايير التي تقيس مدى تحقيق الأهداف التربوية على مستوى المتعلم، وتبين مستوى اكتسابه للكفايات والتحكم فيها وبناءا على هذه المعايير التي حددها، يمكن للمعلم أن يصدر الحكم على تعلم المتعلم بالفشل أو بالنجاح، لذا سميت معايير التقويم بمعايير النجاح.
3. التقويم التكويني عملية مستمرة: على كل من المكون والمتكون أن يدركا أن عملية التقويم يجب أن تكون مستمرة ومتكررة طوال الفترة التعليمية - التعلمية، ذلك حتى يصبح التقويم بمثابة مصدر التدعيم المعرفي الذي من شأنه أن يثير رغبة التعلم لدى المتعلم عن طريق التعديل والتصحيح وليس المقصود هنا تحديد رتبة المتعلم حسب نتائج الاختبار أو الامتحان كما كان معمول به في الطريقة التقليدية. وإنما الأهم هو أن يقوم المتعلم باختبار أدائه من خلال سيرورة اكتساب المعلومات. لذا، يجب أن يكون المتعلم على علم بمعايير النجاح التي حددها المعلم حتى يعمل على تحقيقها أو تجاوزها.
4. التقويم التكويني تقويم تحليلي: يمثل التقويم التحليلي عملية تحديد وتقدير للمردود التعليمي بمقارنته مع أهداف معينة في مجال خاص لهذا، يعتمد التقويم التكويني عملية تحليل نتاج نشاط المتعلم سوى كان كتابي أو شفوي أو حركي، لان النشاطات التي يقوم بها المتعلم، لا تمثل إلا الجزء الظاهري للكفاءة. 

أما فيما يخص مصدرها، فيمثله الجزء الباطني الذي لا يمكن ملاحظته، ولكن يمكن التعبير عنه عن طريق الأداء. فتحليل هذه النشاطات حسب أسس عملية، يسمح لنا بادراك مؤشرات النجاح أو الفشل من جهة ومن جهة أخرى، يسمح لنا التقويم التحليلي بالإطلاع على مستوى كفايات المتعلم. (٤)

عناصر التقويم التكويني

للتقويم التكويني عناصر مهمة، وأهم هذه العناصر كالآتي:

1. التأكد من الاستمرارية في اكتساب المعرفة
2. وضع تغذية راجعة.
3. وضع استخدام استراتيجيات تعليمية جيدة مناسبة.
4. استخدام وسائل تعليمية مناسبة. (٥)

دور التقويم التكويني في التربية

يؤدي التقويم التكويني دوراً مهماً في التربية بمفهومها الحديث كونه تنمية للطالب في مختلف النواحي المعرفية والمهارية والوجدانية، فهذا الأسلوب من التقويم يسير جنباً الى جنب مع العملية التعليمية، فهو يتبع بصفة مستمرة نمو الطالب ويبين نواحي الضعف فيه ويساعد على تقدم التعلم عن طريق تهيئة تغذية راجعة لكل من المدرس والطالب.

فقد أقترح بلوم وآخرون أستعمال التقويم التكويني وظيفة اساسية في التعلم، من خلال سلسلة من العمليات المنظمة لتحقيق الأهداف المرجوة، ويرمي أستعمال التقويم التكويني إلى تحسين مسار عملية التعليم في أثناء تنفيذها، فيزود المدرس تغذية راجعة تهديه الى مستوى تقدم الطلبة وأخطائهم، والى مستوى تحصيلهم المرتبط بالمستوى المقبول من الأداء والتعليم. (٦)

قائمة المراجع:

١- عذراء عزيز عفان الزبيدي، أثر استخدام أسلوبي التقويم التكويني وأسئلة التحضير القبلية في تحصيل طلبة كلية التربية الأساسية في مادة الجغرافية، رسالة ماجستير، الجامعة المستنصرية، ٢٠٠٤، ص ١٧-١٨.

٢- بشار غالب شهاب البياتي، أثر التقويم- بحسب وقت إجرائه- في المعرفة العلمية وأداء وضع الاستعداد وبعض المهارات الأساسية في رياضة المبارزة، رسالة ماجستير، كلية التربية الرياضية، جامعة بابل، ٢٠١١، ص ٣٦.

٣- عذراء عزيز عفان الزبيدي، مرجع سابق، ص ٢١-٢٢.

٤- أ. بوطابة، فريد، التقويم التكويني على ضوء بيداغوجيا الكفايات، قسم علم النفس، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة مولود معمري تيزي وزو، ٢٠١١، ص ٣٨.

٥- الظاهر، زكريا، محمد وآخرون، مبادئ القياس والتقويم، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ١٩٩٩، ص ٥٤.

٦- م.د. عادلة علي ناجي، التغذية الراجعة والتقويم التكويني وأثرهما الفعال في مادة التربية الإسلامية، مجلة جامعة ذي قار، العدد١، المجلد ٤، ٢٠٠٨، ص ٤.