القيادة التحويلية، المفهوم، الأهمية، الوظائف، العناصر
تعد القيادة التحويلية نظرية في القيادة الإدارية جاءت نتيجة للجهود الحثيثة والمستمرة من قبل المفكرين والعلماء في مجال تطوير القيادة؛ فهي من أهم وأحدث نظريات القيادة، وجاءت لتجمع بين مميزات نظريات القيادة وتتلافى ما كان فيها من قصور.
وظهر مصطلح القيادة التحويلية في أوائل السبعينيات من القرن الماضي من قبل داونتون (Downton) عام ١٩٧٣م.
وبرزت بصفة مستقلة على يد بيرنز (Burns) عام ۱۹۷۸م في كتابه القيادة، حيث أكد بيرنز على أن أحد الرغبات العالمية الملحة في العصر الحالي تتمثل في الحاجة الجديدة إلى قيادة ابتكارية مؤثرة تحل محل القيادة التقليدية، والتي تعتمد على تبادل المنفعة، ومن ثم فهي علاقة غير ثابتة، وغالباً لا تستمر طويلاً، لذلك فقد ركز بيرنز على القيادة التحويلية، التي يسعى القائد خلالها إلى الوصول إلى الدوافع الكامنة والظاهرة لدى المرؤوسين التابعين له.
وفي عام ١٩٨٥م قام باس (Bass) وبالاعتماد على أفكار بيرنز - بتقديم نظرية منهجية للقيادة التحويلية في منظمات الأعمال، وقدم ما يسمى بمقياس القيادة متعددة العناصر (MLQ)؛ من أجل قياس عوامل السلوك القيادي متضمناً ثلاثة عناصر للقيادة التحويلية: (الكاريزما، التشجيع الإبداعي الاهتمام الفردي، وعنصرين للقيادة التبادلية: (الثواب الشرطي، الإدارة بالاستثناء).
وفي عام ۱۹۹۱م قام باس وأفوليو (Bass & Avilio) بتطوير ما يسمى بنماذج القيادة كاملة المدى، ويحتوي هذا النموذج النظري على أربعة عناصر للقيادة التحويلية: (التأثير الكرازماتيكي، التشجيع الإبداعي، الحث والإلهام، الاهتمام الفردي): وثلاثة عناصر للقيادة التبادلية: الثواب الشرطي، الإدارة بالاستثناء إدارة عدم التدخل).
وفي عام ١٩٩٤م صنف باس وأفوليو عناصر القيادة إلى صنفين فعالة وغير فعالة ويشمل الصنف الفعال على العناصر الأربعة للقيادة التحويلية وأما الصنف غير الفعال فيشمل على عنصرين من القيادة التبادلية وهما الإدارة بالاستثناء وإدارة عدم التدخل وأما قيادة الثواب الشرطي فتقع ما بين الصنفين.
من وخلال التسعينيات توالت الأبحاث والدراسات تباعاً؛ تقويماً وتطويراً لنظرية القيادة، كما قدمت النظرية على شكل برامج تدريبية للقادة. قطاعات مختلفة، وكانت موضوع عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه، مما ساهم في أن تصبح أسلوباً قيادياً حديثاً أخذ مكانه في أدبيات الإدارة. (١)
مفهوم القيادة التحويلية
تعرف بأنها "مجموعة من القدرات التي تسمح بالتغيير وتحقيق هذا التغيير بصورة فعالة". (٢)
والقيادة التحويلية: "هي القيادة التي تسعى لإحداث تغيرات إيجابية في طرق أداء العاملين وتعريفهم بأهمية عملهم، وخلق الشعور لديهم بالولاء والانتماء للمنظمة بما يجعلهم يضعون مصلحة المنظمة في مرتبة أعلى من تحقيق مصالحهم الشخصية وحثهم على التحلي بالمثل العليا والقيم الأخلاقية، وخلق المناخ الملائم لبروز الأفكار الجديدة، وتشجيع المرؤوسين على الابتكار والتجديد المستمر في أسلوب العمل". (٣)
أهمية القيادة التحويلية
لا شك أن ما حظيت به القيادة التحويلية من اهتمام كثير من الباحثين يدل على مدى أهميتها وما تقوم به من دور فاعل في المنظمات.
وتتمثل أهمية القيادة التحويلية في الأمور التالية وهي:
أولا: تعمل القيادة التحويلية على تفويض السلطات، وتمكين العاملين، وتطوير مهاراتهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، كما تعمل على إيجاد فرق عمل معتمدة على نفسها.
ثانيا: تتطور صفات القيادة التحويلية وتتحسن عن طريق التدريب، وهو ما يؤثر بالتالي على تصورات التابعين وأدائهم في كافة مستويات المنظمة.
ثالثاً: تشكل فكرة "المسؤولية الأخلاقية" التي تتضمنها القيادة التحويلية عنصراً مهماً في في تحفيز العاملين للعمل بشكل يتعدى حدود مصالحهم الشخصية لأجل مصلحة الجماعة أو المنظمة، وتعزز هذه الفكرة اكتساب السلوك التعاوني داخل المنظمة.
رابعاً: يمكن للقيادة التحويلية أن توجد في أية منظمة وفي مختلف المستويات، وهي صالحة بشكل عام لمواجهة جميع الحالات، مما رشحها أن تكون صالحة للتطبيق في المنظمات الناجحة وتلك التي بحاجة إلى تغييرات جذرية. (٤)
وظائف القيادة التحويلية
تتميز القيادة التحويلية بكونها تحقق عدة وظائف للمؤسسة تزيد من القوة في التعامل مع المتغيرات في البيئة الداخلية والخارجية بما تفرضه من قيود واحتمالات مثل تحديد الرؤية والرسالة والأهداف، والإستراتيجية والتميّز والتنافس، وإعادة تصميم الهيكل التنظيمي، وتكوين ثقافة خاصة للمؤسسة، والتدريب والتطوير والتحفيز والتمكين للموارد البشرية.
وفي تصنيف قام به (Daft,2004) والذي يرى بأن وظائف القائد التحويلي تختلف وتتميز عن غيره من القادة بأربعة وظائف وهي:
- يطوّر القائد التحويلي التابعين ليصبحوا قادة بحيث يعطي العاملين حرية أكبر في إدارة سلوكهم، ويركز إهتمام العاملين حول المهمة ولا يضع لهم حدودا لتحقيق أهداف المؤسسة.
- يرفع القائد التحويلي من إهتمامات العاملين من المستوى الأدنى للحاجات الأساسية مثل الأمن والأمان الى المستويات العليا إحترام وتحقيق الذات بحيث يعطي القادة التحويليون اهتماماتهم لكل حاجة من الحاجات والقدرات وربطها بمهمة المؤسسة.
- يلهم القائد التحويلي العاملين للذهاب الى ما وراء إهتماماتهم الذاتية والشخصية الى الإهتمام بالمجموعة والمؤسسة، ويحفزون الأتباع للعمل أكثر مما هو متوقع منهم أصلا، ويدفعونهم للإهتمام بأهمية تغيير الأهداف والمخرجات، فالعاملون يعجبون بقائدهم ويثقون به.
- يرسم القائد التحويلي الرؤية للمستقبل المنشود، يديرون عملية الإتصال بطريقة مناسبة للتخفيف من صدمة التغيير وبذل الجهود من أجل دمجهم بعملية التغيير لتحقيق الرؤيه وجعلهم يحسون بأهمية التغيير والمشاركه فيه.
- من خلال ما سبق يتبيّن أن القيادة التحويلية قيادة ديناميكية تهتم بالخصائص والقيم الشخصية للعاملين كما تهدف لتأسيس مناخ تنظيمي وثقافة تنظيمية تؤثر في العاملين وتعتمد التخطيط والتغيير وتهيئة الظروف والأوضاع التنظيمية لتسيير عمليات التغيير وتوجيهها وإستثمار الفرص المتاحة للإرتقاء والتميز في مستوى العمل وإنتاج الخدمات. (٥)
عناصر القيادة التحويلية
حدد باس وأفوليو (Bass And Avolio) عناصر القيادة التحويلية في أربعة عناصر أطلقا عليها «Four 's» حيث يبدأ كل منها بحرف «I» اللاتيني وهي:
- القدرة الخارقة "الجاذبية" Charisma) أو التأثير القائم على القدوة والمثال: (Idealized influence): حيث يمتلك القائد التحويلي قدرات فائقة في التأثير بالمرؤوسين بحيث يصبح نموذجاً يقتدي به المرؤوسون، يضع الرؤية، وينمي الإحساس بالرسالة، ويغرس الاعتداد بالنفس ويحوز على احترام الآخرين وثقتهم وإعجابهم به، وبذلك يعمل المرؤوسون على محاكات سلوك قادتهم يعمل القائد التحويلي على تقديم مصالح الآخرين على مصالحه الشخصية، ويشاركهم في مواجهة المخاطر، مظهراً سمواً أخلاقياً متميزاً يجعله يربا بنفسه عن استغلال سلطاته في تحقيق مكاسب شخصية.
- الحفز الإلهامي (Inspiration motivation): القائد التحويلي يعمل على أن يثير في المرؤوسين حب التحدي، وإتاحة الفرصة لهم في المشاركة في تحقيق الأهداف المشتركة، ويذكي فيهم الحماس وروح الفريق، ويشركهم في رسم الرؤية للمستقبل المنشود، وفي سبيل ذلك فهو يستخدم الرموز والشعارات لتوجيه الجهود، ويوضح توقعاته العالية من تابعيه.
- الاستثارة الفكرية (Intellectual stimulation): القائد التحويلي يستثير تفكير مرؤوسيه بتشجيع التفكير الإبداعي والتجديد والعقلانية، وتشجيع الأفكار الجديدة والمبدعة في حل المشكلات، ومعالجة الأوضاع القديمة السائدة بأساليب جديدة، يشجع روح الابتكار من خلال عدم السماح بتوجيه النقد العلني في حالة الإخفاق، ومن خلال قبوله الأفكار المبتكرة حتى لو تعارضت مع أفكاره.
- الاهتمام بالفرد (Individualized consideration): القائد التحويلي يعطي إهتمامه الشخصي لحاجات كل فرد لتحقيق الإنجاز والنمو من خلال سلوكه كمدرب وناصح ومتابع، ويعامل كل فرد بصفة مستقلة ويساهم في حل مشاكله والوقوف إلى جانبه ويعترف بالفروق الفردية من حيث الاحتياجات والقدرة على الأداء، ويحرص على إيجاد نظام اتصال فعال بينه وبين الأفراد ويصغى جيداً لمن يتحدث منهم إليه، ويمارس أسلوب «الإدارة بالتواجد» بمعنى أن يكون قريباً من العاملين ليسهل رجوعهم إليه عند الحاجة، ويقوم بتفويض بعض مهامه لتنمية قدراتهم، ومتابعة تلك المهام المفوضة لتقديم مزيداً من التوجيه والدعم عند الحاجة مع عدم جعلهم يشعرون أنهم تحت الرقابة. (٦)
صفات القائد التحويلي
يتصف القائد التحويلي بالعديد من السمات والخصائص التي تمكنه من أداء دوره وتطوير المنظمة التي يعمل فيها نحو الأفضل. وقد أجرى علماء النفس العديد من الدراسات والأبحاث لمعرفة السمات الأساسية للقادة التحويليين، وتتمثل هذه السمات فيما يلي:
- القدرة على وضع رؤية ورساله للمنظمة والقدرة كذلك على إيصال هذه الرؤية للعاملين.
- الثقة الذاية العالية، وخلو الوعي من أي صراع داخلي.
- الحضور الطاغي والنشاط البدني المتفاعل.
- القدرة على العمل في الظروف التي تتسم بالتعقيد والغموض وحالة عدم التأكد.
- القيام بسلوكيات وممارسات تدفع بالعاملين إلى الوصول إلى أداء يفوق التوقعات.
- لديه رغبة دائمة للتغيير والتطوير ويمارس ذلك بشكل فعلي. (٧)
وإضافة لهذه الصفات، هناك خمسة أدوار وعشر ممارسات للقائد التحويلي تمكنه من القيادة وتوجيه العاملين ونقل المنظمات للأفضل وتحقيق انجازات استثنائية وتشمل هذه الصفات ما يلي:
- تحدي العملية: فالقائد التحويلي يسعى خلف التحدي ويبحث عن الفرص، ويميل بطبعه إلى المغامرة المدروسة والتحدي الذي يقودهم إلى التجديد والإبداع من خلال تقبل الأفكار الجيدة، ومساندتها، والاستعداد لتحدي النظام من أجل الحصول على منتجات وخدمات ونظم جديدة، ويواصل القائد التحويلي التحدي والعمل ويتعلم من أخطائه ومن نجاحاته، وتتمثل الممارسات السلوكية المرتبطة بتحدي العملية في البحث عن الفرص والتجربة، ومواجهة المخاطر.
- الإلهام والرؤية المشتركة: إذ لدى القائد التحويلي رؤية واضحة وشفافة للمستقبل، تدفعه للأمام، كما يملك القدرة على إلهام أفكاره ورؤاه للآخرين للحصول على التزامهم من خلال معرفته بأحلامهم وتطلعاتهم وقيمهم، وتتمثل الممارسات السلوكية المرتبطة بلإلهام والرؤية المشتركة في تصور المستقبل وإشراك الآخرين.
- تمكين الآخرين من الفعل: فالقائد التحويلي يعتمد على العمل الجماعي، ولذا فهو يمكن العاملين من العمل والتصرف واتخاذ القرار ويمنحهم الصلاحيات التي تتيح لهم الإبداع، ففي منظمات اليوم لا يقتصر التعاون على دائرة ضيقة من المقربين والمخلصين بل يجب أن يشارك الجميع في العمل، وتتمثل الممارسات السلوكية المرتبطة بتمكين الآخرين من الفعل في تعزيز التعاون وتقوية العاملين.
- رسم نماذج عملية: تشكل أفعال وإنجازات القائد التحويلي مثالا يقتدى به، وتتطابق سلوكياتهم مع أقوالهم، فهو يرسم نموذجاً للآخرين من خلال تصرفاته اليومية التي تبرهن لهم مدى التزامه بما يؤمن به وما يقوله، وتتمثل الممارسات السلوكية المرتبطة برسم نماذج عملية في القدوة والتخطيط للمكتسبات الصغيرة.
- التشجيع يتجلى دور القائد التحويلي في استثارة الآخرين ودفعهم لتحقيق النجاح باستمرار، وإظهار التقدير لأعمالهم وجهودهم، والاحتفال بما يحققونه من إنجازات مهما كانت، فهو يشجع الآخرين ويزرع الطمأنينة في نفوسهم. وتتمثل الممارسات السلوكية المرتبطة بالتشجيع في تقدير المساهمات الفردية والاحتفال بالإنجازات. (٨)
قائمة المراجع:
١- نوف بنت صالح بن محمد الثنيان، القيادة التحويلية لدى مشرفات الإدارة المدرسية وعلاقتها بالإبداع الإداري لدى مديرات المدارس الثانوية بمدينة، رسالة ماجستير، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، ١٤٣٢هـ، ص ١٥-١٦.
٢- حسن، رواية، السلوك التنظيمي، الدار الجامعية، القاهرة، ١٩٩٩، ص ٢٤٤.
٣- علاء سيد قنديل، القيادة الإدارية وإدارة الابتكار، دار الفكر، عمان، ٢٠١٠، ص ٧٦.
٤- محمد عبد الله راشد الكعبي، مدى توافر خصائص القیادة التحویلیة وأثرها في التطویر التنظیمي دراسة تطبیقیة من وجهة نظر القادة في القيادة العامة لشرطة أبو ظبي، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة مؤتة، ٢٠١٥، ص ٢٤.
٥- فاطمة معروف حمد الله الخريسات، القيادة التحويلية لدى مديري دوائر النشاط الرياضي في بعض الجامعات الأردنية وعلاقتها بالإبداع الإداري للعاملين فيها، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، ٢٠١٢، ص ٢١.
٦- سعيد بن محمد بن صالح الغامدي، القيادة التحويلية في الجامعات السعودية: مدى ممارستها وامتلاك خصائصها من قبل القيادات الأكاديمية "دراسة ميدانية"، أطروحة دكتوراه، كلية التربيـة، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ١٤٢١هـ، ص ٧٤-٧٥.
٧- محمد عبد الله راشد الكعبي، مرجع سابق، ص ٢٧.
٨- محمد عبد الله راشد الكعبي، مرجع سابق، ص ٢٨.