بحث جاهز عن التسرب المدرسي مع المراجع
والتسرب المدرسي ليس بالظاهرة الجديدة التي تعاني منها التربية والتعليم والمدارس، ولا تقتصر على جنس دون الآخر أو على طبقة اجتماعية أو اقتصادية دون الأخرى أو على دولة معينة من بين الدول، لكنها تختلف من مجتمع لآخر ومن نظام تعليمي لآخر حسب سياسة الدولة المتبعة. كما أن التسرب يؤدي إلى تحول اهتمام المجتمع من البناء والإعمار والتطور والازدهار إلى الاهتمام بمراكز الإصلاح والعلاج والإرشاد، والى زيادة عدد السجون والمستشفيات ونفقاتها ونفقات العناية الصحية العلاجية.
كما يؤدي تفاقم التسرب إلى استمرار الجهل والتخلف وبالتالي سيطرة العادات والتقاليد البالية التي تحد من تطور المجتمع وتعيقه مثل: (الزواج المبكر، والسيطرة الأبوية المطلقة) وبالتالي حرمان المجتمع من ممارسة الديمقراطية، وحرمان أفراده من حقوقهم، ويتحول المجتمع إلى مجتمع مقهور ومسيطر عليه. (١)
ولقد أصبحت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة منتشرة جداً في الوطن العربي، بالرغم من محاولة جميع السلطات التربوية، والمنظمات المختلفة التي تهتم بأمور التربية والتعليم، والتي تحاول جاهدة القضاء على هذه الظاهرة، أو التقليل منها، وزيادة كفاءة التعليم، ورفع المستوى المحلى. ويمكن القول أن ظاهرة التسرب من المدارس، هي ظاهرة اجتماعية خطيرة، تؤثر على الفرد في المقام الأول، وعلى الأسرة، وعلى المجتمع الذي يعيش فيه، وخاصة لدى المجتمعات النامية، إذ تحرم فئة كبيرة من الطلاب من إتمام تحصيلهم العلمي، وبالتالي تحرم المجتمع الذي يعيشون فيه عطائهم المتوقع لصالح هذا المجتمع وفائدته. (٢)
مفهوم التسرب المدرسي
يختلف مفهوم التسرب من نظام تعليمي إلى آخر، وفقاً للشروط والسياسات التعليمية الخاصة بكل بلد. فقد يعني مفهوم التسرب في بلد ما: ترك الطالب للمدرسة قبل إنهاء المرحلة الابتدائية الإلزامية. وهناك بعض الأنظمة التعليمية لا تعد الطالب الذي ترك الدراسة بعد إنهاء المرحلة الابتدائية متسرباً في حين أن أنظمة أخرى تعده متسرباً لأنه لم ينه المرحلة التعليمية الإلزامية. وكذلك يختلف عبء التسرب وخطورته من حالة إلى أخرى ومن مستوى إلى آخر. فهناك فرق بين التارك للدراسة في الصفوف الأولى والمتسرب منها في الصفوف الأخيرة، وبين طالب يتسرب بعد أربع سنوات وآخر يتسرب من الصف الرابع بعد قضاء ست سنوات في المدرسة بسبب الإعادة. (٣)
ويقصد بالتسرب: انقطاع الطالب عن الدراسة وعدم العودة إليها مرة ثانية، وهو بذلك يشكل فقداًً في التعليم (٤)، كما يمكن تعريف المتسرب: بأنه ترك الطالب للمدرسة في أي صف من صفوفها قبل إكمال المرحلة الإبتدائية الإلزامية. وحسب التعريف الدولي الذي أقرته منظمة اليونسكو فإن التسرب هو: "انقطاع الطالب عن الدراسة في مرحلة تعليمية معينة قبل نهايتها". (٥)
ويعرّف نصرالله التسرب المدرسي أنه: "ظاهرة ترك المراهقين والأطفال للمدرسة، أو انقطاعها عنها لعدة فترات طويلة أو بصورة نهائية قبل وصولهم إلى نهاية المرحلة التعليمية التي يتواجدون فيها ". (٦)
وفي ضوء تباين وجهات نظر المربين والمفكرين حول المدة التي يجب أن يقضيها الطالب في المدرسة والقدر الكافي له من التعليم يعرف الصوباني التسرب بأنه: "خروج الطالب من التعليم، قبل إنهاء مرحلة التعليم الأساسي المقرر في البلد الذي يقيم فيه، ويكون الخروج من التعليم جزئياً، أو كلياً، بالشكل الذي لا يستطيع الطلبة الخارجون من التعليم أن ينهوا دراستهم بنجاح بما يحقق الأهداف الموضوعة للتعليم في هذه المرحلة ".
ظاهرة التسرب في العالم
رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها النظم التربوية المختلفة، تشير الإحصاءات العالمية إلى تفاقم العقبات الاجتماعية والاقتصادية التي تحد من توفير التعليم، ويتمثل ذلك بوجود أكثر من مائة مليون طفل في العالم خارج التعليم الابتدائي، وأكثر من مائة مليون يتسربون من التعليم الابتدائي، وحوالي مليار أمي من الراشدين.
تمتد ظاهرة التسرب المدرسي في مختلف دول العالم, العربية منها والغربية. ونظراً لاختلاف النظام التعليمي والسياسة التربوية في كل بلد فإن مفهوم التسرب وحجم مشكلة التسرب يختلفان من بلد لآخر. لذلك تعددت التعريفات لمفهوم التسرب، إلا أنها تصب في معظمها في المعنى نفسه، حيث صنفت هذه التعريفات التسرب في نوعين: النوع الأول هو تسرب الطالب من المدرسة في مرحلة تعليمية معينة قبل إنهائه لهذه المرحلة. ويكون هذا النوع من التسرب عادة تسرباً إرادياً يختاره الطالب بإرادة وتصميم. أما النوع الثاني من التسرب فهو تسرب الطالب بين المراحل التعليمية المختلفة، وهذا ما يسمى بالتسرب المرحلي، أي أن الطالب يتسرب من المدرسة بعد الإنتهاء من مرحلة دراسية معينة وقبل البدء في مرحلة دراسية جديدة. وهذا النوع من التسرب يحدث للطالب في معظم الحالات دون إرادته واختياره، أي رغماً عنه، وذلك لأسباب مختلفة منها: الرسوب، أو كبر السن. (٧)
لقد تعددت الدراسات والتوصيات العالمية منها والمحلية حول ظاهرة التسرب لما تشكله هذه الظاهرة من خطورة نتيجة للإهدار المؤسف باهظ الكلفة الذي يلحقه بالبلدان المختلفة، وبخاصة البلدان النامية. فنجد على الصعيد العالمي اهتمام منظمة اليونسكو والهيئات الدولية المختلفة التابعة لها بظاهرة التسرب، وذلك منذ أن قام مكتب التربية الدولي عام (1969) باستفتاء دولي عن الإهدار التربوي، ومنذ أن أصدر المعهد الدولي للتخطيط التربوي دراسة عن محور الإهدار بجانبيه: الرسوب والتسرب، بالاضافة إلى المؤتمرات والحلقات الدراسية العديدة التي عقدتها منظمة اليونسكو في مختلف دول العالم. (٨)
التسرب المدرسي وعمالة الأطفال
لقد حظي الأطفال منذ منتصف القرن المنصرم بعناية قانونية تضمن لهم حقوقهم في مجالات الحياة كافة وعلى مسـتوى العالم ابتداءً من اتفاقية - هيئة الأمم المتحدة - حقوق الطفل وانتهاءً بالتعليم الإلزامي، والأنظمة، والقوانين التي تمـنع عمالة الأطـفال منعاً باتاً، إلاّ أنّ تلك الاتفاقية وكل هذه الأنظمة والقوانين لا تسـاوي شـيئاً ما لم تتحول حقوق الطفل إلى ثقافة عامة يمارسها المجتمع في سلوكه اليومي. فالأطفال في حقيقة الأمـر يواجهون مشاكل مترابطة، وفي كل عام يـقدم التقـريـر الإحصائي أرقاماً مرعبة عن الأطفال الذين يتسربون من المدارس، والذين يعملون، والذين يموتون، والذين ينتهكون، والذين يعيشون تحت خط الفقر. (٩)
وترتبط عمالة الأطفال بظاهرة التسرب المدرسي ارتباطاً وثيقاً رغم تشابك متغيرات عديدة - اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وإقليمية- في هذه الظاهرة. إلا أن الدور الأكبر يقع على عاتق المدرسة لأن القصور والخلل في الجوانب التعليمية، وشعور الطالب بعدم جدوى العملية التعليمية يدفع به إلى البحث عن بديل يثبت فيه وجوده ودوره كفرد نشيط اقتصادياً. (١٠)
ولذلك على المدرسة أن تعمل مع الطفل نفسه للبحث عن أدوار يمارسها في مجتمعه، مع الانتباه إلى عدم إغفال حاجات الطفل المختلفة، من الترويح والنشاطات الاجتماعية التي تعزز دوره في المجتمع الذي يعيش فيه. ولقد حددت مؤسسة "كويست سكوب" عدداً من الصفات التي تعتبر الطفل من فئة العاملين، وتتمثل في أن الطفل يجب أن يكون متسرباً من المدرسة، وله دور اقتصادي في أسرته، كما أنه ينتمي إلى أسرة مفككة ولديه هو أو أحد أفراد أسرته خبرة قضائية. (١١)
خصائص المتسربين
تبين من الاطلاع على الأدب السابق في موضوع التسرب أن هناك خصائص معينة يتصف بها الطالب المتسرب مثل:
- ضعف المستوى التعليمي للأسرة: إن المتسربين ينتسبون إلى أسر تكثر فيها نسبة الأمية بين الآباء والأمهات، حيث يبدو ان (60 %) من آباء الطلبة المتسربين هم أميون، كما أنهم ينتمون إلى بيئات ذات مستويات اجتماعية واقتصادية متدنية. إن دخولهم سوق العمل يتم في الغالب تحت ضغط الحاجة المادية الملحة التي تدفعهم الى ترك مدارسهم والبحث عن عمل يوفر لهم حداً أدنى من الدخل يسهم في مساعدة الأسرة على تلبية احتياجاتها الأساسية. (١٢)
- المشكلات السلوكية والأكاديمية للمتسرب: إن معظم الطلاب المتسربين من المدارس في المراحل المختلفة هم من ذوي المشكلات السلوكية الأكاديمية التعليمية المعرفية، أي أنهم في معظم الحالات يكونون من فئة الطلاب متدني التحصيل الدراسي، حيث يكونون دائماً كثيري التغيب. إن الطلاب المتسربين هم في الكثير من الحالات من بطيئي التعليم، أو غير الراغبين في التعلم، وإن تحصيلهم يكون- دائماً- أقل من مستوى تحصيل الطلاب العاديين، وهذا لا يعني بالضرورة أن قدرتهم متدنية بل يأتي التحصيل المتدني كنتيجة مباشرة للغياب، وعدم الرغبة في التواجد داخل المدرسة. (١٣)
- وجود ثقافة خاصة بين المتسربين مختلفة عن ثقافة المجتمع: إذا تركت فئة المتسربين دون رعاية وعناية فإنه يتشكل فيما بين أفرادها ثقافة فرعية خاصة مخالفة لثقافة المجتمع وخارجة على القانون والعرف الاجتماعي، خصوصاً وأن هذه الفئة تتسم بالميل إلى العبث والاستهتار بممتلكات الوطن ومكتسباته، وتسعى إلى لفت انتباه المجتمع نحوها عن طريق التخريب وتداول مفردات لغوية يرفضها الذوق العام، والمجاهرة بالخروج على الأدب العام والمخالفات المرفوضة المتكررة، وعدم احترام مشاعر الآخرين. كما أن هؤلاء الأطفال لا يعرفون معنى الجماعة، أي أنهم عادة لا يأبهون بما يحدث داخل الحي أو لا ينتمون للمجتمع الذي يعيشون فيه. (١٤)
- أما فيما يتصل بالجانب النفسي والانفعالي فإن أهم ما يميز هذه الفئة شدة العصبية وسرعة الغضب كونهم لم يتعلموا التعبير الصحيح عن المشاعر، ولذا فإن العديد منهم يشعر بالدونية والضعف. ويتميز هؤلاء الأطفال معرفياً بعدم إتقان القراءة والكتابة وبخاصة أولئك الذين تسربوا من المدرسة مبكراً، أما من أكمل الصفوف الأساسية العليا فإنهم يستطيعون القراءة والكتابة بصعوبة بالغة جداً، وبالتالي فإن مستواهم المعرفي متدنٍ كثيراً.
- تحول المتسرب إلى فئة العاطلين عن العمل أو المجرمين: إن غالبية الطلبة المتسربين الذين ينحدرون من أسر فقيرة يتحولون تدريجياً إلى فئة العاطلين عن العمل، أو إلى الفئة التي تعمل في الأعمال اليدوية غير الماهرة، أو الوظائف قليلة الدخل، مما يؤدي بهم إلى عالم الجريمة كحل لمشاكلهم الاقتصادية. (١٥)
قائمة المراجع:
١- نصر الله، عمر عبد الرحيم، تدني مستوى التحصيل والإنجاز المدرسي، أسبابه وعلاجه، عمان، دار وائل، ٢٠٠٤.
٢- علي، محمد حسني، تسرب التلاميذ من المدارس، هدى الإسلام، (٢)، ٣٠-٣٢، ١٩٨٥.
٣- عبد الدائم، عبدالله، ظاهرة التسرب من التعليم الإبتدائي في الوطن العربي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ١٩٧٩.
٤- رشدان، عبد الله و همشري، عمر، نظام التربية والتعليم في الأردن 1921-2002، ط١، دار صفاء للنشر، عمان، ٢٠٠٢.
٥- بكار، الشاذلي، ظاهرة التسرب المدرسي من التعليم الإبتدائي في الوطن العربي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ١٩٨٩.
٦- نصر الله، عمر عبد الرحيم، مرجع سابق، ٢٠٠٤.
٧- شديفات، أحمد إرشيد، العوامل التي تؤدي إلى تسرب الطلبة من مرحلة التعليم الأساسي في مدارس البادية الشمالية الشرقية في الأردن من وجهة نظر المديرين والمديرات، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، إربد، الأردن، ١٩٩٦.
٨- Sheppard, David Lee, (1991). The relationship between dropping out of school and selected variables in a south Mississippi district, Dissertation Abstracts 52, (4), p 1167.
٩- زبيدي، إبراهيم، التسرب المدرسي وعمالة الأطفال، مركز البحوث والدراسات، سوريا، ٢٠٠٥.
١٠- ترك، فريدة، عمالة الأطفال في محافظة الزرقاء (دراسة ميدانية اجتماعية، الزرقاء: مركز التوعية والإرشاد الأسري، ٢٠٠٠.
١١- عساف، نظام، العنف الأسري وعمالة الأطفال (وقائع وندوات)، الزرقاء: مركز التوعية والإرشاد الأسري، ٢٠٠٠.
١٢- ناصر، ابراهيم، التوجيه المهني للمتسربين من المدارس الحكومية في المرحلة الابتدائية العليا: دراسة ميدانية، دراسات (العلوم الانسانية)، الجامعة الأردنية، ١١٩ (٢)، ٩٧-١٢٢، ١٩٩٢.
١٣- علي، محمد حسني، مرجع سابق، ٢٠٠٤.
١٤- بشارات، رولا، الإطار العام لبرنامج الثقافة للمتسربين، ورقة عمل بالتعاون مع مؤسسة كويست سكوب للتنمية الاجتماعية في الشرق الأوسط، عمان، الأردن، ٢٠٠٥.
١٥- عيسوي، عبد الرحمن، سيكولوجية الجنوح، ط١، دار النهضة العربية، لبنان، ١٩٨٤.