المدرسة الانطباعية: مفهومها ، عوامل ظهورها، مبادئها ، روادها
المدرسة الانطباعية: تشكل الانطباعية ظاهرة مـن ظواهر التحول العام الناجم عن تتابع الأحداث وتطور المجتمع الغربي منذ النصف الأول للقرن التاسع عشر، وقد وصفت الحركة الجديدة بأنها (ثورة) وعـدت حدثا من الأحداث المهمة التي قادت الإنسان لأن يعي حركته الزمنية ويحدد مكانه في الزمان ويتلمس هذا الواقع.
وبدت الانطباعية في أيامها الأولى وكأنها امتداد للنزعة الطبيعية المتمثلة بمدرسة (باربيزون Barbizon) نسبة إلى المكان المعروف بهذا الاسم في منطقة (السين) إذ كان يلتقي بعض مصوري المناظر، إلا أنها وقفت موقفا مغايرا من الواقع نفسه ومن التقاليد والنظم المتعارف عليها واتبعت طريقة جديدة في التصوير مبنية على نمط جديد في الرؤية، كان قد مهد له التطور السريع في المجالات العلمية والتكنولوجية وما رافقه من تبدل في معايير الذوق الجمالي المتمثل بالسعي نحو التجديد.(١)
كانت البداية الحقيقية للانطباعية في عام (١٨٦٣) عندما رفضت لجنة التحكيم في معرض باريس (٤٠٠٠) لوحة فنية لمجموعة من الشباب الثائر ضد القيم والتقاليد الثابتة، إذ ذهب هؤلاء الشباب إلى نابليون الثالث لإصدار مرسوم يقضي بعرض لوحاتهم في المبنى نفسه الذي يقام به المعرض الرسمي وسمي معرضهم بـ (صالون المرفوضين) وقد كان رد فعل الناس إزاء لوحات هذا المعرض هو (الاستنكار) بسبب وجود صورة لامرأة عارية أمام رجلين بكامل ملابسهم (لوحة الغذاء على العشب) للفنان إدوارد مانیه، فضلاً وقد وصفها الأمير آنذاك بأنها (فاحشة) أما الجمهور فكان موقفه مساندا لموقف أميره عن مهاجمة النقاد والصحفيين لتلك الأعمال الفنية.(٢)
اتفقت مجموعة من الفنانين اعتبار الطبيعة مجالها الذي تستمد منه موضوعاتها الفنية، إذ كان تسجيل المظاهر المتغيرة هدفها الأسمى، هذا الاتجاه الفني قد دفع الفنانين للذهاب إلى الحقول والمروج وضفاف الأنهار لكي يطلقوا العنـان نحو كل مـا يخـدم تجربتهم الذاتية، إذ فتح المجال أمامهم ليقدموا إمكاناتهم وطاقاتهم الجديدة فضلاً عن انتقائهم أسلوبا حديثا في استعمال اللمسات السريعة والضربات بالفرشاة لكي يعبروا عن ضوء الشمس بغية الحصول على تأثيرات قوية وأسطح ملئها الأضواء والألوان ذات الملمس الحسي.(٣)
انطلق الفنان الانطباعي من تجربة حسية أي الجميل عنده يتحقق باستجابة حواسه في أثناء وجوده أمام الطبيعة من خلال وعي إدراكه الحسي ومعطياته، إذ بدأ بتسجيل إحساسه بكل لحظة، وسمي فنه بفن تسجيل اللحظة، فسعى في ذلك إلى تسجيل اللون والقيمة الضوئية بحسب الظروف والمناخ في الهواء الطلق.(٤)
سعی الانطباعيون إلى تطبيق النظريات العلمية الحديثة ذات الصلة بقوانين البصريات وفيزياء الضوء وكيمياء الأصباغ تطبيقا علميا، وأبدلت ألوان الظلال بالألوان المتممة، وهجر اللون البني والرمادي والترابي التي استعملها الكلاسيكيون والواقعيون.(٥)
عوامل ظهور الانطباعية
وهناك عدة عوامل مهدت لظهور الانطباعية:
- القيود المفروضة على الفن الأكاديمي وعدم الاكتراث بغير الفن الأكاديمي، الأمر الذي أثار نقمة الفنانين وسخطهم باعتبار هذا الفن عفى عنه الزمن فلابد من تغيره والخلاص منه.
- النظريات العلمية والقوانين الفيزيائية التي أكتشفت فضلاً عن كيمياء الأصباغ أسهمت بشكل فعال في بلورة الانطباعية.(٦)
- ظهور الكاميرا ضمن الاختراعات التي أسهمت في تصوير الأحداث في كل لحظة، إذ أفادت الانطباعيين في توجهاتهم.(٧)
- تفسير نيوتن لـ (ميكانيكية الرؤية) كان الحجر الأساس الذي استند عليـه الانطباعيون، إذ تقوم أعمالهم الفنية على أساس ذلك. تأثر الانطباعيون بالفن الياباني الذي وصل إلى أوروبا عن طريق المطبوعات الملونة وغير الملونة فضلاً عن تأثرهم بفنون الشرق.(٨)
- تأثر بعض الفنانين الانطباعيين أمثال: (مونيه وبيسارو) بأعمال الرسامين الانكليزيين (كونستابل وتيرنر)، ويرى بعض المؤرخين أن أعمـال (ديلاكرو) فتحت الأبواب للانطباعيين في تجزئة الضربات اللونية.(٩)
- تأثيرات فنانين آخرين اتسمت أعمالهم بـ (انطباع الهواء الطلق) على الرغم من أنّ إنجازها كان جزئيا أو كليا في المرسم وهما (كورو) الذي اهتم بمعالجة المناخ و(كوربيه) الذي اهتم بالنور الطبيعي وانعكاساته.(١٠)
- ابتكار أنبوب اللون الذي أتاح للفنان أن يخرج من مرسمه من دون أن يجد ضرورة إلى حمل حاجات كثيرة ومزعجة، وأن يواجه الطبيعة في إتمام عمله، الأمر الذي أسهم في اعتماد الفنان على الضوء الطبيعي بدلاً من ضوء المرسم الاصطناعي.(١١)
أهم مبادئ المدرسة الانطباعية
لقد قامت المدرسة الانطباعية على ستة مبادئ تتلخص بالآتي:
- خروج الفنان إلى تصوير الطبيعة وليس داخل جدران المرسم.
- إهمال الخط واللون الأسود والأبيض والرمادي وعبرت عن الظلال بسمات اللون.
- استعمال ألوان الطيف.
- ظهور التسطيح عند بعض الفنانين.(١٢)
- عدم الاكتراث بالنسب الواقعية والأصول التشريحية مما فتح الباب لإهمالها.
- نقـل إحساسات الفنان الأولية كل لحظة، إذ سمي بـ (فـن تسجيل اللحظة).(١٣)
أبرز الرسامين الانطباعيين هـم (ادوارد مانيه، کلود مونيه، أوجست رينوار، كاميل بيسارو، ألفريد سيسلي).(١٤)
ويمكن القول أن الانطباعية كانت ثورة حقيقية بمعنى الكلمة ضد القوانين والتقاليد المفروضة آنذاك، وانقلاب ضد كل ما يعرقل تحديث الفن وخروجه من الرتابة والجمود، والذي لا يتماشى مع الثورة الصناعية والاختراعات والنظريات العلمية الحديثة، إذ أسهمت وبشكل فعال في بلورة الانطباعية، مما جعلها الحاضنة لكل مدارس الرسم الأوروبي الحديث.(١٥)
قائمة المراجع:
١- امهز، التيارات الفنية المعاصرة، ط١، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ١٩٩٦، ص ٦٩.
٢- حمادي، عاد محمود، اللعب في الرسم الحديث، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الفنون الجميلة، جامعة بابل، ٢٠٠٤، ص ٦١.
٣- زعابي الزعابي، الفنون عبر العصور، ط١، دار العروبة للنشر والتوزيع، ١٩٨٩، ص ٢٨٧.
٤- ريد هربرت، الفن اليوم- مدخل الى نظرية التصوير والنحت المعاصر، ترجمة محمد فتحي وآخرون، دار المعارف المصرية، القاهرة، ١٩٨٧، ص ٢٠٦.
٥- آل دخيل، نضال ناصر، جماليات التكوين في الفن الحديث وأثرها في تنمية القدرات التشكيلية الإبداعية لدى طلبة الفنون التشكيلية، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الفنون الجميلة، جامعة بغداد، ٢٠٠٥، ص ٨٤.
٦- Ramon, F. (1996): Impressionism and post impress-sionism, 2nd Ed.) Amelco, Ohio,p 333.
٧- قطاية سلمان، المدرسة الانطباعية، منشورات وزارة الثقافة والإعلام السورية، دمشق، ١٩٧٣، ص ٧٣.
٨- امهز، محمود، الفن التشكيلي المعاصر التصوير (١٨٧٠-١٩٧٠)، د.ط، دار المثلث للتصميم والطباعة، بيروت، لبنان، ١٩٨١، ص ٤٠.
٩- حمادي، عاد محمود، مرجع سابق، ٢٠٠٤، ص ٦٢.
١٠- امهز، محمود، مرجع سابق، ١٩٨١، ص ٤٠.
١١- امهز، التيارات الفنية المعاصرة، مرجع سابق، ١٩٩٦، ص ٨٠.
١٢- أبو دبسة، فداء، غيث، تاريخ الفن عبر العصور، ط١، مكتبة المجتمع العربي، عمان، ٢٠٠٩، ص ١٩٨.
١٣- بهنسي، عفيفي، تاريخ الفن والعمارة الفن الكلاسيكي المحدث، مديرية الكتب الجامعية، دمشق، ١٩٨٣، ص ٥١٣.
١٤- نجيب، رولا عصام، تاريخ الفن، دار المستقبل، عمان، ١٩٩٨، ص ٥٤-٥٨.
١٥- رغد سلمان خليل الحيالي، أثر التعلم المتحفي الإلكتروني في تحصيل طلبة كلية الفنون الجميلة في مادة تاريخ الفن، رسالة ماجستير، كلية التربية الأساسية، جامعة ديالى، ٢٠١٤، ص ٥١.