بحث عن التفكير-بحث كامل
يستخدم الإنسان عقله بشكل دائم في كافة مراحل حياته وفي مختلف المواقف بشكل واع أو غير واع، فمنذ ولادة الإنسان يبدأ بالاستجابة البديهية للمؤثرات المحيطة ويستخدم قدراته العقلية في التفاعل معها، فالتفكير من الظواهر النمائية التي تتطور عبر مراحل عمر الإنسان المختلفة، فالأطفال ومنذ ولادتهم يمارسون التفكير الحس- حركي، والذي يتطور إلى مرحلة التفكير ما قبل العمليات في الطفولة المبكرة ثم مرحلة التفكير المادي في مرحلة الطفولة المتأخرة، وأخيرا التفكير المجرد مع بداية مرحلة البلوغ.(١)
قدم الباحثون والتربويون تعريفات مختلفة للتفكير استناداً إلى أسس واتجاهات نظرية متعددة، وتوصلوا إلى أنه لا يوجد تعريف واحد متفق عليه للتفكير، لأن معظم التعريفات مرضية عند أحد مستويات التفكير فقد يقول قائل أن التفكير نشاط، ويقول آخر إنه المنطق وتحكيم العقل، وكل هذا صحیح عند مستوى معين، حيث أشار بعضهم إلى أن التفكير عملية سلوكية خارجية، ترتبط بالمؤثرات الخارجية نتيجة التعرض لمؤثرات حسية وحدوث استجابات، وآخرون إلى أنه عملية معرفية داخلية يقوم بها الدماغ لا يمكن ملاحظتها مباشرة، فالتفكير من المفاهيم المجردة التي يصعب قياسها وتحديد ماهيتها بسهوله، و ينطوي مفهوم التفكير على أبعاد مختلفة ومكونات متشابكة تعكس الطبيعة المعقدة للدماغ البشري. (٢)
التعريفات التي وردت عن التفكير
ما التفكير؟ عرفه غانم بأنه : " التقصي المدروس للخبرة من أجل غرض ما، وقد يكون ذلك الغرض هو الفهم، أو اتخاذ القرار أو التخطيط، أو حل المشكلات أو الحكم على الأشياء، أو القيام بعمل ما ". (٣)
وعرفه علوان على أنه: " عملية داخلية تؤدي لحل مشكلة، يظهر من خلال السلوك الناتج عند الفرد، وهو القدرة على القراءة بين السطور والتقييم ثم إصدار الأحكام، ويعد التفكير المعالجة العقلية للمدخلات الحسية لتشكيل الأفكار، مما يؤدي لإدراك الأمور والحكم عليها ". (٤)
وجاء في موسوعة علم النفس التربوي بأنه نشاط ذهني يتضمن مجموعة من الأفكار تثيره وتبعثه مشكلة أو مسالة تحتاج إلى حل فهو لا يحدث إلا إذا سبقته مشكلة تتحدى عقل الفرد فالتفكير مفهوم افتراضي يتضمن سلسلة أو تواردا غير منظم من الأفكار والصور والانطباعات العالقة في الذهن. (٥)
وباستقراء التعريفات السابقة يمكن تعريف التفكير: بأنه نشاط ذهني يرتبط بالمواقف المحيطة بالفرد وبقدرته على تحليل المعلومات التي يتلقاها عبر حواسه، والاستجابة إلى ات البيئية وإعطائها معنى ودلالة بالاستناد إلى خبراته تساعده على التكيف مع المحيط الذي يعيش والتلاؤم مع ظروف معيشته وبيئته وحل مشكلاته.
النشأة التاريخية التفكير (٦)
لقد ظهرت كثير من الدراسات المنفردة، التي تباين الحديث عنها بـين علماء النفس والتربويين في ماهية التفكير وتنمية مهاراته وإمكان تعليمه؛ لكن مع ظهور علم النفس المعرفي في الستينيات من القرن العشرين، بدأت ثورة الاهتمام بالتفكير وأصبح مـداراً للبحـث عنـد العديد من العلماء، وقبل ظهور علم النفس المعرفي بوقت طويل كان الناس يستعملون طريقة الاستبطان لمحاولة فهم أنفسهم، وهناك حادثتان أثرتا بنحو كبير في مسار دراسـة التفكيـر، أولهما ظهور النازية في ألمانيا، التي وضعت نهاية لعمل معظم علماء الجشتالت، على الرغم من انتقال كثير منهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال عملهم، وآخرهما ظهور السلوكية في أمريكا التي أدت إلى إعاقة البحث الأمريكي حول التفكير، فالسلوكيون ركـزوا فـي أن التفكير لا يمكن ملاحظته، فهو عمليات عقلية داخلية لذلك لا يمكن دراسته، وقد بقيت السلوكية عائقا في وجه التفكير حتى الولادة الحديثة لعلم النفس المعرفي في الستينيات.
وبدأ العلماء في تثبيت معالم نتاج التفكير وجعله محور الدراسات العلمية، لتمكين دمجه داخل المؤسسات التعليمية من خلال المنهج أو طرائق التدريس المستعملة عنـد المـدرس أو الانشطة المتنوعة المستعملة في أروقة المدارس والجامعات، لذلك تمحورت دراساتهم علـى النتاج العقلي وكم المهارات الانتاجية التي يمكن أن ترفد المجتمع للنهوض بالواقع الحياتي أو حل المشكلات التي تعيق النتاج بكل أنواعه.
خصائص عملية التفكير
ما هي خصائص التفكير؟ يمكن ذكر بعض الخصائص التي تتميز بها عملية التفكير وفق ما يلي:
- التفكير عملية داخلية يتم خلالها معالجة مجموعة من المعلومات داخل النسق المعرفي، والربط بين الخبرات السابقة بالمعلومات المتاحة ليتشكل معرفة جديدة تؤدي لسـلوك ينتج عنه حل المسألة أو المشكلة، ويتم ذلك من خلال تتابع الخطوات المؤدية للحل، ويستعين التفكير بالتذكر والإدراك والصـور والتخيل والتداعي، ولكنه ينطلق منها إلى التركيز على المضمون العام للمعاني والعلاقات التي لا ترتبط بمكان أو زمان معین. (٧)
- عملية التفكير من الموضوعات المهمة التي تنسجم مع تغييرات العصر المتسارعة على الصعيد المعرفي والتكنولوجي، وازدياد أهميتها كلما استطاع الطلبـة توظيفها في الحياة والقيام بعملياتها من تحليل، وتفسير، وتقييم، واستنتاج، وتجنب الاعتقادات غير الصحيحة، والتمييز بين الحقائق والآراء. (٨)
- تعد عملية التفكير من أهم الصفات التي تميز الإنسان، والتي يسمو بها عن باقي المخلوقات الأخرى، فحاجة الفرد للتفكير أمر حياتي يلازمه في مراحل حياته جميعها، يحتاجها لاتخاذ أي قرار، ويساعد التفكير على تخريج متعلمين فاعلين قادرين على التعلم الذاتي، وعلى تنظيم شــؤون حياتهم، قادرين على التفكير واتخاذ القرار المناسب والابتكار والإبداع في الاختيارات المتعددة. (٩)
- يساعد التفكير الطالب على التحكم بأفكاره والتعامل معها بشكل منظم، وزيادة ثقته بنفسه، ورفع مستواه التعليمي، وتعزز في نفسه مفهوم التعلم الذاتي، عملية التفكير مهمة للطالب والمعلم، فهي تساعد على تحقيق النتاجات التعليمية الموضوعة بشكل أفضل، ويؤدي فهم المعلمين لعملية التفكير إلى تفاعلهم بشكل أفضـل في عملية التعليم وتخطيط الدروس بشكل أفضل، ويؤدي تعليم التفكير إلى كسر الروتين أثناء التدريس، ويصبح البحث عن المعرفة أمرا ممتعا، ويسهم في تحفيز وجذب انتباه الطلبة أثناء الدرس. (١٠)
أما فتح الله فيضيف أن من خصائص التفكير أنه سلوك هادف يدل على شخصية الإنسان، وهو جزء عضوي وظيفي من بنية الشخصية الكاملة، وهو نشـاط عقلي غير مباشر ينطلق من الخبرة الحسية للفرد، يحدث بأشكال وأنماط متعددة، فمنها اللفظي أو اللغوي أو الكتابي، ويعتمد التفكير على ما استقر في ذهن الفرد من معلومات عن القوانين العـامـة للظواهر، ويعد التفكير إحدى عمليات تجهيز المعلومات، ويمكن ملاحظة عملية التفكير وقياسها ومعرفة مدى نموها. (١١)
أهمية التفكير
- ينمي قدرة الطلبة على التفكير العلمي، والتكيف مع المحيط والتعامل مع المشكلات والصعوبات التي تمر بهم، ويعد التفكير أداة صالحة لتحقيق الأهداف وجلب المنافع ودرء المفاسد، ويساعد على توظيف المعلومات والمهارات التي يحصل عليها في تحقيق النجاح، وعملية التفكير تزيد من حماس ونشاط الطلبة، وتجعل الصف أكثر حيوية. (١٢)
- يؤدي التفكير إلى تحرير العقول والاستعداد للحياة، وهو الطريق إلى الإبداع في شتى المجالات العلمية والمعرفية، وتعطي عملية التفكير الطالب إحساسا بالسيطرة الواعية على تفكيره. (١٣)
- تؤدي عملية التفكير إلى تعليم الطالب كيف يتعامل مع المعلومات المخزنة في دماغه وكيف يتعلم من خبراته السابقة، والتفاعل مع الأشياء والأحداث والأشخاص، والتركيز على عمليات التعلم ومهارات حل المشكلات، والاهتمام بالمحاكاة العقلية وتعليم مهارات التعلم الذاتي وغيرها. (١٤)
مستويات التفكير
ما هي مستويات التفكير؟ أشار غانم إلى أن مستويات التفكير ثلاثة وهي: (١٥)
- المستوى الأولي: الذي يعتمد فيه الفرد على موضوعات أو أشياء مماثلة أمام حواسه، ويتحدد بعمليات الإدراك الحسي.
- المستوى الثاني: ويستعين فيه التفكير بالصورة الذهنية وهو المستوى التصوري.
- المستوى الثالث: ويعرف بالتفكير المجرد، ويرتفع عن الأشياء المادية وصورها الذهنية، إلى المعاني والقواعد والمبادئ.
أنواع التفكير
ما هي أنواع التفكير؟ تعددت أنواع التفكير في الأدب التربوي الذي يتناول موضوع التفكير ومهاراته، وصنفت إلى تصانيف عديدة، حسب ما أورده عتوم بما يلي: (١٦)
- التفكير المجرد: وهي عملية تهدف إلى استنباط النتائج والمعاني بواسـطة التفكير الافتراضي وذلك بقدرته على وضع الفرضيات والتأكد من صحتها.
- التفكير التأملي: وهو التفكير الذي يعتمد فيه الفرد على تأمله للموقف من خلال تحليله لما يواجهه من مشكلات للوصول للنتائج.
- التفكير الإبداعي: وهو التفكير الذي يتميز بتعديله للأفكار بهدف الوصـول إلى نتائجها والتي تتميز بالأصالة والطلاقة والمرونة والحساسية للمشكلات، حيث يعتمد هذا التفكير بصورة خاصـة على الخبرات السابقة المعرفية للفرد وعدم تقيده بأية قواعد.
- التفكير الناقد: وهو التفكير الذي يعتمد بصـورة خاصـة على المصداقية لأي ظاهرة كانت من خلال معاييرها وأسسها المحددة من أجل إبراز المشكلة للوصول لحلها بالإضافة لتصويبه للذات.
- التفكير الجانبي: وهو الإحاطة بجميع ما يتوصل إليه الباحث لدى المشكلة من خلال توليده للمعلومات للوصول لحلها.
- التفكير ما وراء المعرفي: وهو من أعلى مستويات التفكير حيث يقوم الفرد بممارسة العمليات من خلال التخطيط والمراجعة المستمرة.
- التفكير الاستنتاجي: ويتحقق من خلال قدرة الفرد على ربطه للأشياء بالإضافة لمحاولة لتفسيرها وذلك باستخدام أسلوب طرح الأسئلة.
وفي الختام يمكن القول أن الاهتمام بموضوع التفكير ليس موضوعا حديثا، فعلى مدار التاريخ عنيت به مختلف المدارس الفلسفية والفكرية والتربوية، فالفلاسفة اليونان القدامى منذ القرن ( ٢٥٠٠ ق.م ) من أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو، هم من وضعوا اللبنات الأولى لطرق الحوار والمناقشة والاكتشاف وأكدوا على دور العقل والفكر في فهم حقائق الكون والحياة واستخدموا المهارات العقلية في الوصول إلى نظرياتهم. (١٧)
قائمة المراجع:
١- مذر سميح الحاج حسن(٢٠٠٩)، فاعلية برنامج تدريبي لتطوير مهارات التفكير الناقد لدى معلمي ومعلمات التربية الإسلامية في دولة الإمارات العربية المتحدة، أطروحة دكتوراه.
٢- العتوم،عدنان، والجراح، عبد الناصر، وبشارة، موفق (٢٠٠٦)، تنمية مهارات التفكير نماذج نظرية وتطبيقات عملية عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع.
٣- غانم، محمود (٢٠٠٩)، مقدمة في تدريس التفكير، عمان، دار الثقافة للنشر، ص ٢٢.
٤- علوان، عامر (٢٠١١)، تربية الدماغ البشري وتعلم التفكير، عمان، دار صفاء للنشر، ص ١٨.
٥- رزق، اسعد (١٩٧٧)، موسوعة علم النفس، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
٦- أ.د سعد علي زاير، أ.م.د سماء تركي داخل، د. أسراء فاضل، التفكير ومهاراته التعليمية رؤية نظرية تطبيقية، ط١، مكتبة نور الحسن للطباعة والتنضيد، ٢٠١٩.
٧- عبدالعزيز، سعيد (٢٠٠٩)، تعليم التفكير ومهاراته تدريبات وتطبيقات علمية، عمان، دار المسيرة للنشر.
٨- مصطفى، نمر (٢٠١١)، استراتيجيات تعليم التفكير، عمان، دار البداية للنشر.
٩- الحلاق، علي (٢٠١٠)، اللغة والتفكير الناقد، عمان، دار المسيرة للنشر.
١٠- مصطفى، نمر (٢٠١١)، مرجع سابق.
١١- فتح الله، مندور (١٤٢٩)، تنمية مهارات التفكير الإطار النظري والجانب التطبيقي، الرياض، دار النشر الدولي
١٢- طافش، محمود (٢٠٠٤)، تعليم التفكير مفهومه أساليبه مهاراته، عمان، دار جهينة للنشر.
١٣- نوفل، محمد (٢٠٠٨)، تطبيقات عملية في تنمية التفكير باستخدام عادات العقل، عمان، دار المسيرة للنشر.
١٤- مصطفى، نمر (٢٠١١)، مرجع سابق.
١٥- غانم، محمود (٢٠٠٩)، مرجع سابق.
١٦- عتوم، كامل (٢٠٠٤)، مدى تركيز كتب اللغة العربية ومعلميها للمرحلة الثانوية في الأردن على مهارات التفكير الناقد والإبداعي، أطروحة دكتوراه غير منشورة، الجامعة الأردنية، الأردن.
١٧- مذر سميح الحاج حسن(٢٠٠٩)، مرجع سابق.