بحث عن الحوكمة مع المراجع
يعد مصطلح الحوكمة (Governance) من المصطلحات الإدارية الحديثة الذي يطلق عليه أيضاً الإدارة الرشيدة، إذ يعبر عن مجموعة الطرق والأساليب الحديثة والآليات والإجراءات والنظم والقرارات التي تضمن تفعيل مبادئ الاستقلالية والنزاهة والشفافية والانضباط والمساءلة والعدالة وغيرها من مبادئ الحوكمة التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء من خلال تصرفات إدارة الشركة تجاه هذه المبادئ، واستغلال الموارد الإقتصادية المتاحة لديها، وبما يحقق أفضل منافع ممكنة لكافة الأطراف، وبما يضمن تحقيق العدالة ويحفظ للمساهمين وللأطراف الأخرى المتعاملة مع الشركة حقهم.
ولتحقيق ذلك لابد من التزام الإدارة والعاملين بالقواعد الأخلاقية والمهنية للحد من ممارسات تهدد مستقبل الشركة في النمو والبقاء والاستمرار. (١)
تعددت التعريفات المقدمة من الباحثين حول هذا المصطلح تبعاً لوجهات نظرهم المختلفة، وفيما يلي أهم التعريفات للحوكمة:
عرفها (Williamson): " هو نظام لإدارة الشركة بشكل إستراتيجي لتحقيق أهدافها الرئيسية، ورقابتها بشكل شامل وبطريقة موقفية وأخلاقية وملتزمة كونها شخصية معنوية مستقلة وقائمة بذاتها، لها من الهيكل الإداري والأنظمة واللوائح الداخلية ما يكفل لها تحقيق تلك الأهداف بقدراتها الذاتية بمنأى عن تسلط أي فرد فيها وبالقدر الذي لا يتقارب مع مصالح الفئات الأخرى ذات العلاقة. (٢)
وعرفها (Freeland): " النظام الذي يتم من خلاله توجيه وإدارة شركات الأعمال، ويحدد هيكل الحوكمة الحقوق والمسؤوليات بين مختلف الأطراف ذات الصلة بنشاط الشركة مثل مجلس الإدارة والمساهمين وأصحاب المصالح، كما يحدد قواعد وإجراءات اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون الشركة، كذلك يحدد الهيكل الذي يتم من خلاله وضع أهداف الشركة ووسائل تحقيقها ووسائل الرقابة على الأداء. (٣)
كما عرفها (Cattrysse): " المنهج المتبع من قبل أصحاب المصالح في الشركة لمراقبة مصالحهم الخاصة، وكذلك فهي تعبير عن النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركة والرقابة عليها ". (٤)
وعرفتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD): هي مجموعة من العلاقات بين القائمين على إدارة الشركة ومجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم ممن لهم علاقة في الشركة ". (٥)
ویری (سلیمان) بأنها: " مجموعة القوانين والقواعد التي تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من جهة، والممولين وأصحاب المصالح من جهة أخرى، بأن يضمن الممولون حسن استغلال الإدارة لأموالهم وتعظيم ربحية وقيمة أسهم الشركات في الأجل الطويل وتحقيق الرقابة الفعالة على الإدارة ". (٦)
ويرى الباحث من خلال التعاريف السابقة بأن الحوكمة هي مجموعة من الآليات والإجراءات والقوانين والقواعد والنظم والقرارات والمعايير التي تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من ناحية وحملة الأسهم وأصحاب المصالح أو الأطراف المرتبطة بالشركة مثـل حملة السندات، العمال، الدائنين، المواطنين من ناحية أخرى.
اقرأ أيضا: بحث حول السياسة المالية
أهمية الحوكمة
أثارت الحوكمة اهتمام الباحثين والدارسين والمساهمين وغيرهم من أصحاب المصالح، وذلك نتيجة حالة الفشل والإفلاس المالي للكثير من المنظمات الكبرى في العالم، وانهيار الأسواق في الولايات المتحدة الأمريكية ودول شرق آسيا. ومن خلال دراسة الأسباب التي أدت إلى حدوث هذا الفشل المالي والإداري، تبين أن انعدام أسلوب الحوكمة يمكن القائمين في المنظمة من الداخل، سواء كانوا مجلس إدارة أو مديرين أو موظفين أو غيرهم، من تفضيل مصلحتهم الشخصية على حساب مصلحة المساهمين والدائنين وعامة الجمهور.
وعليه فإن الدول والمنظمات التي تضعف بها أساليب الحوكمة تعتبر أكثر عرضة لحدوث نتائج وخيمة، تفوق مجرد كونها أزمات مالية وفضائح وقد أصبح من الواضح تماما أن إدارات المنظمات المختلفة، ومن خلال الحوكمة، تحدد بدرجة كبيرة مصير المنظمة بشكل خاص واقتصاديات الدول بشكل عام. (٧)
ويشير (بورسلي وآخرون)، إلى أن أهمية الحوكمة المؤسسية وفوائدها تتلخص في الآتي (٨):
- تعزيز الكفاءة الإدارية للشركات: حيث تحث مبادئ الحوكمة على إتباع وممارسة النهج الصحيح في إدارة المؤسسات، وتشجع على إتباع أساليب إدارية حديثة.
- تسهل الحصول على تمويل وبتكلفة أقل: لان إلزام المؤسسات بالحوكمة المؤسسية يولد الثقة لدى المستثمرين الممولين.
- تعزيز الإجراءات الرقابية وإجراءات التدقيق على الشركات: حيث تحث مبادئ الحوكمة المؤسسية المنظمات أو الهيئات الرقابية على زيادة الإجراءات الرقابية والتنظيمية وتحديثها باستمرار في المؤسسات.
- دعم الدور الإجتماعي للشركات: يشجع تطبيق مبادئ الحوكمة المؤسسية المؤسسات على القيام بدور اجتماعي يكون أكثر فاعلية.
- تعزيز العدالة والشفافية والمعادلة النزيهة بين جميع الأطراف سواء كانوا مساهمين أو مستثمرين وغيرهم من الجهات ذات العلاقة والمصلحة مما يولد الثقة بالاقتصاد والتنمية.
- القضاء على تعارض المصالح لأن تطبيق مبادئ الحوكمة المؤسسية يحفز على التزام الشركات بالنهج القويم في تعاملها مع الأطراف ذات العلاقة بين جميع الفئات المختلفة في المؤسسات سواء كانوا داخليين أو خارجيين.
- تساهم في تشجيع تدفق رأس المال الأجنبي إلى الأسواق المالية: وذلك من خلال ثقة المستثمرين الأجانب والشركات الأجنبية في الإقتصاد والشركات.
اقرأ أيضا: بحث عن البنك المركزي
أهداف الحوكمة
يعمل تطبيق الحوكمة المؤسسية على تحقيق عدد من الأهداف التي تعود بالفائدة على المنظمة ومن هذه الأهداف (٩):
- دعم طبيعة وظائف المديرين وأعضاء مجلس الإدارة في المنظمة.
- تقييم أداء الإدارة العليا وتعزيز الثقة بينهم وبين جميع الأطراف ذوي العلاقة.
- عدم الخلط بين المهام والمسؤوليات الخاصة بالمديرين التنفيذيين ومهام مجلس الإدارة ومسؤوليات أعضائه.
- إيجاد الهيكل الذي تتحدد من خلاله أهداف المنظمة، ووسائل تحقيق تلك الأهداف ومتابعة الأداء.
- التأكيد على مبدأ الفصل بين الملكية والإدارة والرقابة في المنظمة.
- إمكانية مشاركة المساهمين والموظفين والدائنين في القرارات الخاصة بالمنظمة، وتفعيل دورهم كمراقبين لأداء المنظمة، وبما يحقق مصالحهم أيضا.
- تقليل المخاطر المتعلقة بالفساد الإداري والمالي الذي قد يواجه المنظمات.
- تشجيع جذب الاستثمارات، ومساهمتها في دعم مركز المنظمة، وحماية المستثمرين.
- الشفافية والدقة والوضوح والنزاهة في جميع أعمال المنظمة، مما يزيد من اعتماد جميع أصحاب المصالح عليها.
الأطراف المعنية بتطبيق الحوكمة
هناك أربعة أطراف رئيسة تؤثر وتتأثر بالتطبيق السليم لمفهوم الحوكمة، وتحدد مدى نجاحها أو فشلها في المنظمات. وهذه الأطراف مهمة، فهم الذين يقومون فعلاً بأداء المهام التي تساعد المنظمة على الإنتاج، وبدونهم لا تستطيع أي منظمة تحقيق استراتيجياتها الموضوعة، وهذه الأطراف هي (١٠):
- المساهمون: وهم يقومون بتقديم رأس المال عن طريق ملكيتهم للأسهم في المنظمة، مقابل الحصول على أرباح لاستثماراتهم، وتعظيم قيمة المنظمة على المدى البعيد، وهم من يملك الحق في اختيار أعضاء مجلس الإدارة المناسبين لحماية حقوقهم.
- مجلس الإدارة: وهم الذين يمثلون المساهمين وأصحاب المصالح، حيث يقوم مجلس الإدارة باختيار المديرين التنفيذيين الذين توكل إليهم سلطة الإدارة، بالإضافة إلى الرقابة على أدائهم، ومتابعة حسن إدارتهم لخدمة المصالح العامة، كما يقومون برسم السياسات العامة وكيفية المحافظة على حقوق المساهمين.
- الإدارة: وهي المسئولة عن الإدارة الفعلية للمنظمة، وتقديم التقارير الخاصة بالأداء إلى مجلس الإدارة، كما تعتبر المسئولة عن تعظيم الأرباح، وزيادة قيمتها، بالإضافة إلى مسؤوليتها اتجاه الإفصاح والشفافية في المعلومات التي تنشر للمساهمين.
- أصحاب المصالح: وهم مجموعة من الأطراف الذين تربطهم مصالح مع المنظمة، مثل الموردين الدائمين والعمال والموظفين والزبائن والموردين غير الدائمين. ويجب ملاحظة أن هؤلاء الأطراف يكون لديهم مصالح قد تتعارض وتختلف أحيانا، فالدائنون يهتمون بقدرة المنظمة على السداد، في حين يهتم الموظفون بقدرة المنظمة على دفع أجورهم.
أما الموردون فهم جميع من يبيع المنظمة مدخلات الانتاج. لذلك تعتمد المنظمة على كفاءة هؤلاء الموردين في التوريد بالوقت والجودة والمكان المناسب.
أما الممولون كالبنوك وشركات التمويل، وجميع الجهات التي تمنح المنظمة تسهيلات ائتمانية، فينبغي أن يكون التعامل معها بمنتهى الحرص والدقة، فالمعلومات المضللة للممولين قد تقطع مستقبلاً خطوط التمويل، مما يؤثر سلبا على أعمال المنظمة وخططها المستقبلية. (١١)
اقرأ أيضا: بحث عن التضخم
محددات الحوكمة
هناك نوعان من محددات الحوكمة المؤسسية هما: المحددات الداخلية والمحددات الخارجية، وهذه المحددات تبين مدى التطبيق الجيد لمستوى وجودة الحوكمة، وعلى النحو التالي:
محددات خارجية
ويشمل هذا النوع من المحددات التشريعات التي تنظم النشاط الاقتصادي مثل قوانين البورصة وقانون الشركات وقانون المنافسة وقانون مكافحة الفساد وقانون الاحتكار، وكفاءة قطاع الأموال في قدرته على الاستثمارات، وكفاءة الجهات والهيئات الرقابية في مدى قدرتها على مراقبة جميع المؤسسات، بالإضافة إلى منظمات المهن الحرة مثل مكاتب التدقيق، والاستشارات المالية، ومكاتب المحاماة. وكذلك الجهات التي تشرف على كفاءة عمل الأسواق مثل المحاسبين والمدققين، والمحامين، والشركات العاملة في بورصة الأوراق المالية، ويشير هذا النوع من المحددات إلى البيئة العامة للاستثمارات في الدولة لضمان تنفيذ القواعد والقوانين لضمان إدارة المؤسسات بشكل جيد. (١٢)
محددات داخلية
وتشير هذه المحددات إلى القواعد والأسس التي تحدد كيفية تصميم واتخاذ القرارات وتوزيع السلطات داخل المنظمة بين الجمعية العامة ومجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين، حيث يؤدي توافرها من ناحية وتطبيقها من ناحية أخرى إلى تقليل التعارض بين مصالح هذه الأطراف الثلاثة. (١٣)
قائمة المراجع:
١- السعدي إبراهيم خليل حيدر السعدي، (٢٠١١)، حكومة الشركات ورفع مستوى الإفصاح وآثاره في معالجة الأزمة المالية المعاصرة، دراسة منشورة، التحديات التي تواجه منظمات الأعمال المعاصرة، الجزء الثاني، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع.
٢- Williamson, Q., E, (2009). The Mechanism of Governance, Oxford University Press.
٣- Freeland, C. (2007), Basel Committee Guidance on Corporate Governance for banks, Paper presented to: Corporate Governance and Reform: Paving the way to Financial Stability and Development, a Conference organized by the Egyptian Banking Institute, Cairo, May7-8.
٤- Cattrysse, Jan., (2005), Reflection on Corporate Governance and the Role of the Internal Auditor,www.ssrn..com.
٥- WWW.OECD..com, Principles of Corporate Governance, 2004.
٦- سلیمان محمد مصطفى، (٢٠٠٨)، حوكمة الشركات ودور أعضاء مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين، الاسكندرية، الدار الجامعية.
٧- الطائي، عبد الله، وقدادة، عيسى، (٢٠٠٨)، إدارة الجودة الشاملة، دار اليازوري للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
٨- بورسلي، أماني والشمري، تركي وباطويح، محمد، (٢٠١١)، حوكمة الشركات، اتحاد الشركات الاستثمارية، مكتب آفاق، الكويت.
٩- خليل، عطا الله وارد، (٢٠٠٥)، الدور المتوقع للمدقق الداخلي عند تقديم خدمات التأكيد في البنوك التجارية الأردنية في ظل الحوكمة المؤسسية، بحث مقدم إلى المؤتمر العربي الأول حول التدقيق الداخلي في إطار حوكمة الشركات، القاهرة، مصر.
١٠- علي، عبد الوهاب نصير، وشحاته، السيد شحاته، (٢٠٠٧)، تدقيق الحسابات والحاكمية المؤسسية في بيئة الأعمال العربية والدولية المعاصرة، الدار الجامعية، جمهورية مصر العربية، الإسكندرية.
١١- قباجة، عدنان عبد الحميد، (٢٠٠٨)، أثر فاعلية الحاكمية المؤسسية على على الأداء المالي للشركات المدرجة في سوق فلسطين للأسواق المالية، رسالة دكتوراه، جامعة عمان العربية للدراسات العليا، عمان، الأردن.
١٢- غادر، محمد ياسين، (٢٠١٢)، محددات الحوكمة ومعاييرها، المؤتمر العلمي الدولي حول عولمة الإدارة في عصر المعرفة، كلية إدارة الأعمال، جامعة الجنان، لبنان.
١٣- الحازمي، محمود ناصر، (٢٠١١)، مدى تطبيق الحوكمة على الشركة السعودية للكهرباء، المشاكل-العقبات-الحلول الممكنة، دراسة تطبيقية تحليلية مقارنة، International Virtual university.
* المرجع الرئيسي: أثر الحوكمة في تحقيق الميزة التنافسية، دراسة ميدانية في المستشفيات الخاصة في مدينة عمان، إدريس وائل السنوسي، ٢٠١٦.