بحث عن التغير الاجتماعي مع المراجع
ازداد الاهتمام بدراسة التغير الاجتماعي بصورة خاصة من قبل علماء الاجتماع قبل علماء الأنثروبولوجيا لانهم كانوا يدرسون المجتمعات البدائية حيث عوامل التغير لم تكن لها عوامل مؤثرة، ولكن نتيجة لإتصال هذه المجتمعات بالثقافات الأخرى زاد اهتمام علماء الانثروبولوجيا بهذه الظاهرة مستعينين لحد كبير بالنظريات السوسيولوجية عن التغير الاجتماعي.
والملاحظ أن التغير ظاهرة ملازمة لكل المجتمعات البشرية ولكن درجة التغير تختلف من مجتمع إلى اخر حيث أن بعض المجتمعات تتغير بسرعة وأخرى ببطئ.
أولاً: تعريف التغير الاجتماعي
بصورة عامة يبدو أن العلوم الاجتماعية تؤكد البحث في قضايا الثبات أكثر مما تؤكد قضايا التغير بالرغم من أن التغيرات الاجتماعية تعم العالم.
ويمكن تحديد التغير الاجتماعي بأنه (( ذلك التغير المهم في البناءات الاجتماعية وأنماط الفعل الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي وما ينطوي عليه ذلك من تبعات ومظاهر تتجسد في المعايير ( قواعد السلوك ) والقيم والإنتاج الثقافي الرمزي Symbolic.
تشير لوسي مير العالمة الانثروبولوجية البريطانية إلى أن التغير الاجتماعي بالنسبة إلى أي انثروبولوجست بريطاني يعني تغير في البناء الاجتماعي وان الانثروبولوجيين البريطانيين لا يجدون أن من المفيد ان ينظروا الى عملية التغير على أنها عبارة عن قبول أو رفض السمات الثقافية ولا على الاختلاف ما بين الأنساق في قابليتها على التكيف. أن لوسي مير تعطي اهتماماً للتغير في مواقف الأفراد واختياراتهم التي تتم بحسب حاجاتهم.
ونلاحظ أن التغير الاجتماعي كمفهوم متعارف عليه في علم الاجتماع ولاسيما في مجال الدراسة الديناميكية له يعد من السمات التي لازمت الإنسانية منذ فجر نشأتها حتى عصرنا الحاضر لدرجة أصبح التغير معها أحدى السنن المسلم بها ,بل اللازمة لبقاء الجنس البشري وتفاعل أنماط الحياة على اختلافها لتتحقق لدينا باستمرار أنماط وقيم اجتماعية جديدة يشعر في ظلها الأفراد بان حياتهم متحركة ومتجددة، وأنها في تحركها وتجددها تتطلب فهم الحركة الدائبة والمسايرة الكاملة دون تخلف أو تشبث بالقديم.
لقد اختلف علماء الاجتماع والانثروبولوجيا في تناول موضوع التغير الاجتماعي بحسب تباين الاتجاهات الفكرية التي ينتمون إليها، وبحسب المرحلة الزمنية التي وجدوا فيها وان الاتجاه في القرن التاسع عشر كان يميل إلى إعطاء الأهمية للجانب الفكري في التغير كونه العامل الفاعل، وان أوكست كونت يمثل العلماء الذين يميلون الى هذا الاتجاه فهو يرى أن التغير الاجتماعي هو ( محصلة النمو الفكري للإنسان ) وقد عبر عن هذا بقانونه الشهير قانون المراحل الثلاث. مرحلة الفكر اللاهوتي ثم مرحلة الفكر الميتافيزيقي وأخيرا مرحلة الفكر الوضعي.
أما سبنسر فهو يرى إن في الحياة ميلاً الى التفرد والتخصص والانتقال من المتجانس الى اللا متجانس ومن المتشابه إلى المتباين, فالجماد أو الجسم غير الحي يكون متماثلاً وغير متخصص في حين أن الجسم الحي يتمتع بذاتيته وينفرد بشخصيته ويؤدي وظيفة خاصة محدودة يتعين عليه إن يؤديها وكلما زاد الكائن الحي ارتقاءاً زاد تفرده وتخصصه ظهوراً.
ومن هذا يتضح لنا إن تفسير عملية التغير الاجتماعي قد اختلفت من عالم الى آخر ومن مدرسة الى أخرى الى حد التناقض كما هو الحال مثلا بين التغير الذي يقدمه كارل ماركس وأتباعه والتغير الذي يقدمه ماكس فيبر. فكما هو معروف إن الماركسيين يربطون التغير ربطا الياً بعملية التغير الاجتماعي أي أن التغير الاجتماعي ينطلق من أساس مادي فقط في حين نجد فيبر من خلال دراسته لنشأة الرأسمالية يرى إن الحركات الدينية هي التي ولدت التغير وفجرت الثورة الصناعية، فنظرية فيبر في الرأسمالية تعتقد بأن ( الكالفينية ) مع باقي الحركات الدينية التطهيرية هي التي ولدت الظروف السيكولوجية المناسبة لظهور ونمو الطبقة البرجوازية الغربية.
ويعتقد ماكس فيبر بأن ظهور الرأسمالية الأوربية وما رافقها من نظم إنتاجية وتوزيعه متطورة أبان عصر الثورة الصناعية قد اعقب حركة الإصلاح الديني التي قام بها لوثر وكالفن في ألمانيا وسويسرا خلال القرن السادس عشر الميلادي، هذه الحركة التي تمخض عنها ظهور المذهب البروتستانتي المسيحي، وفصل الكنائس في إنكلترا وألمانيا ( الكنائس البروتستانتية ) عن السلطة البابوية في روما التي تتزعم المذهب الكاثوليكي في العالم.
وتعاليم لوثر وكالفن كانت تؤكد:-
- الاعتقاد بالله سبحانه وتعالى والأيمان بالحياة الثانية التي تأتي بعد الموت.
- التقشف والاقتصاد في النفقات وعدم التبذير.
- جمع الأموال والمحافظة عليها وتنميتها واستثمارها في المشاريع الإنتاجية التي تعود مردوداتها الاقتصادية للمجتمع.
- النظافة والطهارة والالتزام بأخلاقية الدين التي تتمحور حول الصدق في القول والإخلاص في العمل وحب الآخرين وعدم إلحاق الضرر بهم.
- تشجيع استقلالية الفرد وتنمية قدراته ومواهبه المبدعة والخلاقة ومنحه حرية التفكير والاستنباط والاستنتاج دون تدخل السلطة الدنيوية أو الدينية في شؤونه الخاصة.
- تحديد مصير ومستقبل الإنسان من قبل الله سبحانه وتعالى منذ ولادته. فالله هو الذي يقرر من هم أغنياء ومن هم فقراء المجتمع.
وكذلك يجب الإشارة في هذا الصدد الى دوركايم الذي تحدث عن الانتقال من من حاله التضامن الآلي الى حالة التضامن العضوي كلما تقدم المجتمع وذلك في كتابه (تقسيم العمل الاجتماعي ). عموما ركزت بعض المذاهب على الصراع والتبدل في حين أن بعضها الآخر ركز على التوازن وتصور المجتمع بأنه بناء متناسق في أداء وظائفه، أما حين يكون التغير مخططا فانه يستهدف ( اكتساب أعضاء المجتمع معارف جديدة وممارسات وقيم وأنماط سلوكية وتكنولوجية عصرية ).
ثانيا: نظريات التغير
هنالك دائما تساؤل مطروح وهو: هل أن هنالك نمطاً محدداً للتغير الاجتماعي, وهل من الممكن التنبؤ باتجاهاته أو سرعته، إن هذه التساؤلات قد اجتذبت الناس لازمات عديدة وقد بذل العلماء والفلاسفة جهودهم لغرض الكشف عن الغاز التغير الاجتماعي. لذا فإننا سوف نتعرض الى اشهر النظريات التي ناقشت موضوع التغير الاجتماعي:-
أولا:- النظريات الدائرية(Cyclic theories)
حركة التغير التي يظهر فيها هذا الاتجاه تتجسد في أجلى صورها في تحليل ابن خلدون للكيفية التي تنمو فيها الثقافة من ابسط إشكالها فتصل إلى أرفع درجات قوتها ورخائها الاقتصادي وتقدمها الحضري والعمراني ثم تبدأ بالهبوط ويستمر تدهورها حتى تختفي وسط عوامل التفكك. ففي رأي أبن خلدون أن (الحضارة ) لا تدوم الى الأبد نتيجة لقوى الصراع التي تتفاعل عبر مسيرتها ويسبب تفاقمها النهاية المحتومة لوجودها. ويعتمد ابن خلدون في نظريته الديالكتيكية للتغير على المعلومات التاريخية المتيسرة في عهدهُ عن النظم السياسية الملكية والإمبراطورية.
أن المؤرخين الصينيين لم يضعوا للتاريخ لابداية ولانهاية ولكنهم عرضوا هذا التاريخ على انه عصور من النظام أو عدم الانتظام، أو رفاه وتقدم، أو تدهور. إما ابن خلدون المفكر العربي فقد ارسى نظريته عن التقدم على أساس الصراع ما بين البداوة والحضارة.إما ارنولد توينبي (Arnold Toyenbe)فقد وجد إن المدنيات (Civilizations) تنهض من المجتمعات البدائية وتتقدم على أساس عملية (التحدي والاستجابة )(challenge and response).
وليس جميع المجتمعات البدائية قد أسست مدنيات ولكن فقط تلك التي استجابة لتحديات الظروف.ولقد حدد توينبي هذه الظروف بأنها: البيئة الطبيعية القاسية، أو الأرض التي لم تسكن أو تحرث أو الاندحار العسكري المفاجئ، أو استمرارية التهديد الخارجي، إما سروكن (pitrm sorokin) فقد رأى إن المجتمعات تتقدم وتتخلف مثل رقاص الساعة من خلال ثلاثة توجهات وهي:
أ- مرحلة الثقافة الحسية: وهي تؤكد الإحساس والعواطف، وهي ثقافة ذاتية تعبيرية أو دينية.
ب- مرحلة الثقافة العقلانية: وهي تؤكد الحواس وهي ثقافة موضوعية علمية مادية ودنيوية.
ج- مرحلة الثقافة المثالية: وهي مرحلة وسط ما بين الثقافتين المذكورتين وهي تؤكد المنطق والعقلانية.
ثانيا:النظريات التطورية(Evolutionary theories)
إن كثير من العلماء وجدوا أن التغير الاجتماعي يسير على وفق خط أحادي وان اتجاه التغير على هذا الخط يعني التقدم .ان أوكست كونت نظر الى المجتمعات على إنها تتحرك خلال ثلاثة مراحل وهي: المرحلة الثيولوجية أو الأسطورية، والمرحلة الميتافيزيقية أو التجريبية واخيرا المرحلة العلمية أو المرحلة الايجابية (Positive)، وكل مرحلة تمثل مستوى أعلى في الوجود وحيث تتحقق المرحلة الأخيرة الايجابية العلمية التي يقود فيها العلماء المجتمع نحو حالة من الانسجام. كما أن كونت اعتقد بان زيادة السكان من شأنها ايضا ان تقود الى التغير الاجتماعي. إما هربرت سبنسر (Herbert Spencer) فقد ربط ما بين المجتمع والكائن العضوي فالمجتمع دائما ينمو ويتعقد ويتزايد اعتماد أعضائه او أجزائه على بعضها بعض. أما دوركايم (Emile Durkheim) فقد راى أن المجتمعات تتحرك من مجتمعات ذات صلابة ميكانيكية (Mechanical solidarity)التي هي (صغيرة، بدائية، متجانسة) الى مجتمعات ذات صلابة أو تماسك عضوي (Organic Solidarity) وهي مجتمعات (كبيرة، معقدة، ومتخصصة).
لقد ساد في القرن التاسع عشر وبعد نشر كتاب دارون المسمى " أصل الأنواع " الاعتقاد بان تغير المجتمعات البشرية يخضع الى قانون التطور، ذلك القانون الذي يجعل حركة التغير تسيير عبر مراحل تطورية متعاقبة تتفاوت درجات تعقيدها ورقيها بصورة متوالية من الأبسط إلى الأعقد ومن الاوطا الى الارقى. وأطلق على ذلك بالاتجاه التطوري الأحادي الامتداد.
وتبين لنا الدكتورة سناء الخولي بان النظرية التطورية قد سيطرت على معظم الدراسات في التغير الاجتماعي منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى أواخر الحرب العالمية الأولى. ولهذا كانت وجهة النظر هذه تدور حول البحث عن قوانين تطورية ذات صيغة عالمية أو شمولية أو بمعنى أخر البحث عن القوانين التطورية التي تفسر النمو الاجتماعي. ولقد كان المسوغ من وراء ذلك أنه إذا كانت هناك خطوط عديدة للتطور، أو إن العملية الكبرى يمكن أن تكون قد تكررت عدة مرات فأنها جميعا يمكن ان تكون قد سارت على صيغة واحدة أو متشابهة.
وقد صار التغير في نظر أصحاب هذه المدرسة يعني انتقال المؤسسات الثقافية والاجتماعية أو تحولها من شكل يطابق مرحلتها التطورية إلى شكل أخر تفرضه المرحلة التطورية اللاحقة وقد برزت مشكلات نظرية عديدة اصطدم بها هذا الاتجاه ومن هذه المشكلات الأساسية أوجه الاختلاف او التنوع الثقافي والاجتماعي التي تزخر بها الأقاليم البشرية في العالم والتي يتعذر تفسيرها بشكل تطوري واحد بل تحتم الرجوع الى الظروف التاريخية أو البيئية الخاصة لفهم كل منها.
ثالثا: النظريات الوظيفية(Functional theories)
أن الاتجاه الوظيفي يرى أن المجتمع يتكون من أجزاء متساندة كما أنه يميل الى التأكيد على التوازن الاجتماعي (Social equilibrium) واستقرار وتداخل الأجزاء المختلفة. ولذا من الصعوبة القبول بالتغير الاجتماعي على أساس هذا المنظار. لذا فإن المنظرين الوظييفين مثل تالكوت بارسونز (Talcott parsons)، ونيل سملسر (Neil smelser) وجدوا بأن هنالك قوى هائلة في المجتمع تقف ضد التغير ولكن القوى ربما يمكن التغلب عليها بطريقة تكيفية من خلال التأثيرات الخارجية على النظام ومن خلال التجديد والإبداعات الداخلية.
رابعا: النظريات الصراعية (conflict theories)
إن المنظرين الصراعيين يركزون على سوء التكامل والتداخل في البناءات الاجتماعية كونه مصدرا للتغير ولكنهم على عكس الوظيفيين حيث إنهم يركزون بصورة اساسية على مصدر حتمي وحاسم الا وهو عدم المساواة.
أن الصراع هو أمر شائع في العالم وقوة تؤدي الى التغير. أن معظم النظريات الصراعية المعاصرة تنبع من النظرية الصراعية الماركسية. لقد رأى ماركس إن البناء الاقتصادي هو أساس المجتمع وأن التغير أو التناقض في المجال الاقتصادي يؤدي إلى تغيرات في العلاقات الاجتماعية وأن الانظمة الرأسمالية بصورة خاصة معرضة لأن تنتج الصراع، أن الصراع ينتج من الوضع الداخلي حيث أن المجتمع يستقطب في جماعتين متعاديتين هما الحكومة ( البرجوازية ) والمحكومون (العمال) وبالنتيجة النهائية فإن الصراع بين الجماعات المتعادية يؤدي إلى الثورة.
إن الذين انطلقوا من مفهوم الصراع في تحليل حركة التغير ينتمون الى اختصاصات فكرية مختلفة منها الفلسفة والتاريخ والسياسة وعلم الاجتماع والانثروبولوجي. ويعد هيجل (Hegel) من أبرز المفكرين والفلاسفة الذين تناولوا حركة التغير على أساس التضاد والتفاعل الجدلي بين عناصر الفكر.ثم أكد الموضوع نفسه المفكر ماركس الذي تأثر بهيجل ولكنه وضف فلسفته بشكل معكوس يؤكد الجوانب المادية والعلمية للتغير بدلا من الجوانب المثالية التي حظيت باهتمام هيجل بالدرجة الأولى.
ولعل العالم دوركايم هو أفضل من يمثل هذا المنظور لأنه عبر عنه من خلال ما يطرأ من تفكك على المعايير من حيث قدرتها على ضبط العلاقات الاجتماعية وتوجيه السلوك بصورة يتحقق فيها انسجامها. وهكذا فالصراع كما يطرحه دور كايم هو ((صراع معياري )) وليس صراعاً سياسياً آو اقتصادياً.
خامسا: النظريات التطورية الجديدة (Neoe volutionary theories)
أن بعض النظريات أخذت تعود الى الوراء لتستغل النظريات التطورية القديمة وفي إطار جديد. أن النظريات التطورية القديمة كانت تركز تأكيدها على خط التطور الأحادي ولكن هذة النظريات تنهار عندما لا تتلاءم مع أحد المجتمعات. أن التطورية الجديدة التي من أشهر علمائها لينسكي (Lenski) ترى إن المجتمعات تتقدم ليس على خط واحد وإنما في خطوط عديدة أن التطوريين الجدد يعنون بذلك بأن التغير الاجتماعي يتأثر عوامل عديدة وانه ولو ان هناك تشابهات أو توازيات فإنه ليس جميع الثقافات تتغير في الاتجاه نفسه أو السرعة نفسها. إن هذه النظريات الجديدة للتطور تضع أهمية كبرى على الاستعارة الخارجية و الانتشار (diffusion).
أن التطورية الجديدة هي ليست فقط طريقة لتفسير الماضي وإنما من الممكن تطبيقها على التغيرات الحاصلة في الوقت الحاضر كذلك، فمثلا يمكن تطبيقها على التغيرات الحاصلة في حياة الفلاحين، المزارعين الصغار الذين يعملون بأجور في مجالات الزراعة, والذين يعملون في المناجم والمصانع، والمجتمعات البدائية. إن هذه الأنماط من المجتمعات قد تطورت وان عاداتهم قد تغيرت تحت تأثير العوامل الاقتصادية أو السياسية التي انتقلت من العالم الصناعي. إن دراسة مثل هذه المجتمعات لابد أنها ذات فائدة عملية وتضييق في وضع برامج المساعدة التكنولوجية لخدمة هؤلاء الناس.
قائمة المراجع:
دراسة انثروبولوجية - ميدانية، رسالة قدمها الطالب يحيى خير الله عودة، إلى مجلس كلية الآداب - هيئة الدراسات العليا في جامعة بغداد وهي جزء من متطلبات درجة الماجستير في علم الاجتماع، ٢٠٠٥.