بحث عن التعليم عن بعد
مقدمة: يعد التعليم عن بعد من التطورات الحديثة في مجال التعليم، وبدأ التنافس العالمي بين الدول في سبيل تطبيقه في مؤسساتها التعليمية، ولازال يشهد تطوراً سريعا يسهم في تغيير كثير من المفاهيم عن التعليم عن بعد.
مفاهيم التعليم عن بعد لغتاً وأصطلاحاً
مفهوم التعليم عن بعد في اللغة: التعليم: من ( علم ) ويقال علمه أي عرفه، يقال علمه العلم تعليما وعلم فلان الشيء تعليما أي جعله يتعلم.
البعد: ضد القرب وقد بعد فهو بعيد متباعد، والبعد اتساع المدى، والبعيد: المتنائ.
ويعرف محمد عفيفي التعليم عن بعد بأنه: « نوع من أنواع التعليم، يتصف بالبعد الجغرافي بين المعلم والطالب، ويعتمد على التعليم الذاتي المدعوم بكافة وسائل الاتصال الممكنة لنقل وتبادل المعلومات بين المعلم والطلاب، أو بين الطلاب بعضهم البعض، في محاولة للحصول على أقصى درجة ممكنة من التفاعل في الموقف التعليمي لتخطي حواجز الزمان والمكان ».
وقد عرف صالح الدباسي التعليم عن بعد بأنه « مجموعة من الأساليب التعليمية والتي تتم فيها عملية التدريس بمعزل عن بيئة التعلم ، بما فيها المواقف التي تتطلب التقاء المعلم والمتعلم، ولذلك لابد من توافر وسيلة اتصال أو أكثر بين المعلم والمتعلم لتيسير عملية التفاعل كالمواد المطبوعة التقليدية والإلكترونية ووسائل الاتصال المختلفة ».
كما عرفه أحد الباحثين بأنه « ذلك النوع أو النظام من التعليم الذي يقدم فرصا تعليمية، وتدريبية إلى المتعلم دون إشراف مباشر من المعلم، ودون التزام بوقت ومكان محدد لمن لم يستطع استكمال الدراسة، أو يعيقه العمل عن الانتظام في التعليم النظامي، ويعتبر بديلا للتعليم التقليدي، أو مساندا له، ويتم تحت إشراف مؤسسة تعليمية مسؤولة عن إعداد المواد التعليمية والأدوات اللازمة للتعلم الفردي اعتمادا على وسائط تكنولوجية عديدة تساعد في الاتصال ذي الاتجاهين بين المتعلم، وعضو هيئة التدريس ».
ومن خلال استعراض ما سبق من التعاريف ؛ فإن الباحث يرى أن أهم الخصائص التي يمكن أن يتسم التعليم عن بعد بها هي:
- أنه تعليم مؤسسي يتم في إطار مؤسسة تعليمية ( معهد أو كلية أو جامعة ) تحكمها أسس ولها أهداف وتسير بنظام محدد.
- الانفصال بين الطالب والمؤسسة التعليمية: إن العلاقة بين المعلم والطالب علاقة غير مباشرة حيث الفصل بينهما في الزمان أو المكان أو كليهما معا، وتتم العملية التعليمية خارج نطاق المؤسسة في المكان والزمان الذي يتفق مع ظروف الطالب ومتطلباته، و يستخدم مجموعة من الوسائط التي تسمح بحدوث التعلم، وإن كانت عملية البعد مع أهميتها في التعليم عن بعد وتشجيعه للاستقلال الذاتي في عملية التعليم، إلا أنها لا تعني غياب التعليم المباشر وإنما استخدامه أحيانا عندما يتطلب نوع التعليم من الطالب الحضور والتطبيق العملي، وقد يتم الحضور للمؤسسة التعليمية وفق زيارات محددة أو غير محددة، وكذلك قد تعقد لقاءات دورية للطلبة في المجموعة أو مع الطالب الواحد أو لقاءات بين الطلاب والمشرفين أو المعلمين، ويمكن أن تتم هذه اللقاءات في المراكز الإقليمية التي تختارها المؤسسة التعليمية أو في مقرها الرئيسي، كما تتم عادة بعض اللقاءات الموسعة في العطل الصيفية.
- الاعتماد على وسائل الاتصال والتكنولوجيا: تختلف وسائل الاتصال المستخدمة في هذا التعليم حسب نوعية التعليم وقدرة المؤسسة التعليمية، ويتم فيه استخدام الوسائل التكنولوجية ووسائل الاتصال المختلفة سواء المطبوعة أو المسموعة أو المرئية، ليتم من خلالها الربط بين المعلم والمتعلم، ولنقل وتوصيل المادة العلمية من المؤسسة التعليمية إلى الطالب، ويعتمد التعليم عن بعد غالبا على وجود اتصال في اتجاهين بين المؤسسة والطالب بحيث يمكن الطالب المبادرة من المناقشة والبحث.
- الإعداد المتخصص للبرامج والمناهج: إن برامج التعليم عن بعد في الغالب يتم إعدادها من خلال فريق متخصص في إعداد تلك البرامج والمناهج مما يسهم في تقديم مادة علمية تعليمية بجودة عالية يستفاد منها في عملية التعلم والتعليم، ويسهم في نشر المعرفة واكتساب الاتجاهات والقيم والمهارات دون الحضور المباشر للمؤسسة التعليمية، وبذلك تفتح آفاقا واسعة للاستفادة من تلك المواد التعليمية في مجالات أخرى عديدة.
اقرأ أيضاً: بحث عن التعليم الإلكتروني
أهمية التعليم عن بعد
يتميز التعليم عن بعد في الوقت الحاضر بأنه ميدان من ميادين التعليم والتدريب الأسرع نموا في العالم، ويرتبط تطوره بما يحدث من تطورات متلاحقة، وسريعة في عصر المعلوماتية، والعولمة الذي نعيشه. ومما يزيد الاهتمام في التعليم عن بعد الحاجة الملحة لإعداد الأيدي العاملة المدربة لسوق العمل، والحاجة لتحديث المعلومات والمهارات والقدرات من خلال التدريب والتعليم المستمرين. وما يسهم به من تغيير في حياة الأفراد لاعتماده على فلسفة حق الفرد في الوصول للمعرفة، وفرص التعليم المتاحة. ولذا فإن أهمية التعليم عن بعد تبرز من خلال ما يلي:
- توفير الفرص التعليمية وإتاحتها لكل راغب في الحصول على التعليم بصرف النظر عن العمر، أو الجنس، أو الظروف المعيشية، أو من يحرم من التعليم لأسباب مادية، أو بدنية، أو غيرها، ويتيح الدراسة في أمكنة متباعدة وأزمنة مختلفة، وبالظروف التي يختارها، ويحقق له الحصول على مختلف الدرجات العلمية. بل يعد التعليم عن بعد من أهم السبل التي تسهم في تخطي الحواجز بين الدول، والعقبات التي تحول بين الفرد و مواصلة التعليم في أي مكان، وفي أي ظرف من الظروف؛ وذلك لما يشهده العالم من التقدم والتطور التكنولوجي الكبيرة الوقت الحاضر الذي لا يمكن التنبؤ بتطوره واتساعه.
- يوفر للطالب الجمع بين التعليم، والعمل والحياة الأسرية؛ فلا حاجة لتعطيل وظيفته أو الإخلال بحياته الأسرية، وبذلك يتحقق للطالب تحقيق رغبته في مواصلة الدراسة، والوفاء بالمتطلبات الأسرية والوظيفية.
- يعد التعليم عن بعد من أنسب البدائل للتعليم المستمر لمن يسعى لتنمية معارفه وتطوير مهاراته في نفس التخصص، أو لمن يرغب في تغيير تخصصه ودراسة تخصص مختلف.
- الوفاء بالحاجة المتزايدة للتعليم، والطلب الاجتماعي نحوه بفتح فرص التعليم والتدريب، وتوفير الفرص لتطوير المهارات وتجديدها، وفتح أساليب جديدة للتعليم.
- الإسهام في توفير التنمية الثقافية بحيث يتعدى أثرها الدارسين إلى معظم شرائح المجتمع، خصوصاً المقررات الدراسية التي تتناول مواضيع هامة للمجتمع، وبالذات عندما تبث بوسائط تعليمية عامة، أو تبث عبر وسائل الإعلام كالتلفاز، وعندما تكون مواضيعها مما يهم فئة معينة في المجتمع كالمقررات الزراعية للمزارعين، والمقررات الاقتصادية للاقتصاديين، أو المواضيع التي تناقش مجالات هامة لأفراد المجتمع كالمواضيع التخصصية في العقيدة، والشريعة، والتاريخ، والأدب وغيرها، وبذلك يتفوق على التعليم التقليدي في تقديم البرامج التنموية الثقافية التي تخدم شرائح المجتمع المختلفة والتي ترتبط بحاجات المجتمع.
- يحقق درجة عالية من التكيف والتوازن بين مطالب المجتمع، وحاجات الأفراد، وبين الحاجات التعليمية، والمواد التعليمية.
- تقديم المواضيع المتخصصة، والجوانب العلمية الدقيقة التي تخدم هدف المتعلم مباشرة دون التطرق لمواضيع لا يحتاجها المتعلم.
- دور التعليم عن بعد في تدريب المعلمين في جميع الأرجاء والارتقاء بمستوياتهم.
- من أهم الوسائل لاكتساب التعليم الذاتي وتنمية القدرة على البحث عن المعلومات، مما يسهم في إيجاد المجتمع المتعلم الذي يساعد في بناء الفرد وتسهيل حصوله على المعرفة، والمهارات المتطورة في جميع جوانب الحياة، وينمي المجتمع لمسايرة تغيرات التقدم التكنولوجي والاستفادة منها في التعليم.
- الاستفادة من التعليم عن بعد في تقديم البرامج والنشاطات التربوية التي تستهدف مجموعة معينة من المجتمع ونقلها لهم، وكذلك عند تقديم تدريبات طارئة لمجموعة معينة.
- تطوير الخبرات التعليمية، والسماح بالمشاركة العالمية، والدولية في جميع جوانب العملية التعليمية ، ويتيح إمكانية إقامة علاقات بين مؤسسات التعليم العالي، وشركاء داخل المجتمع، وتمكين المختصين في قطاعات الاقتصاد المختلفة من المشاركة في التدريس في مؤسسات التعليم العالي، مع الدفع بالأفكار الجديدة، والمتنوعة في البرامج الدراسية الأكاديمية والتطبيقية.
- الإسهام في التنمية الاجتماعية للمجتمعات؛ لأن التعليم هو الوسيلة الفاعلة في تطوير المفاهيم الاجتماعية، وتخليصها من الشوائب، وبذلك يحقق التعليم عن بعد دورا كبيرا في حدوث التغييرات الاجتماعية المرغوبة.
- يسهم في تحسين فعالية الموارد التعليمية، ودعم جودة البنى التعليمية الحالية ، وتعزيز قدرة النظام التعليمي.
- يؤدي إلى الاستغناء عن أكثر التكاليف ضخامة في التعليم العالي وهي تكلفة إنشاء مؤسسات التعليم، كما يسهم في تخفيف التكاليف الباهظة التي تتطلبها عملية توفير أماكن الدراسة للأعداد الغفيرة الراغبة في الاستفادة من الخدمات التعليمية التي يقدمها المجتمع لأفراده؛ فهذه التكاليف تتمثل في إنشاء المباني التعليمية، وتوظيف أعضاء هيئة التدريس والإداريين، وتوفير الرواتب والحوافز لهم، علاوة على تكاليف الانتقال والإعاشة للطلبة، وما يتطلبه ذلك من عجزي ميزانيات الحكومات يتزايد بتزايد الأعداد المستفيدة من تلك الخدمات.
- يؤدي التعليم عن بعد إلى التقليل من البطالة خصوصا أنه يوفر فرص تأهيل، وإعادة تأهيل الكوادر البشرية لتكون قادرة على الإنتاج في كافة المجالات التي يحتاجها المجتمع، وبما يتلاءم مع المتغيرات التكنولوجية في هذا العصر، كما يرفع مستوى استخدام المصادر التعليمية الموجودة لأقصى درجة ممكنة للنهوض بالحياة وتحسين مستوى العمل داخل المجتمع.
أهداف التعليم عن بعد
يلتقي نظام التعليم عن بعد مع نظام التعليم التقليدي في الأهداف العامة التي يسعى لتحقيقها وهي:
توفير فرص التعلم والتعليم أمام الأجيال المتلاحقة، ونقل المعرفة إليهم، وتطوير قدراتهم ومهاراتهم بما يمكنهم من دخول الحياة ومجالات العلم بإسهام أكبر، وإنتاجية أعلى تنعكس على مسيرة التنمية الشاملة، والتقدم الواسع للمجتمع، وقد حددت الإستراتيجية العربية للتعليم عن بعد أهدافا يسعى التعليم عن بعد لتحقيقها ومن أهمها:
- تقديم الخدمات التعليمية لمن فاتتهم فرص التعليم في كافة مراحل التعليم، من خلال العمل على تجاوز المعوقات الجغرافية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي أعاقت تعلم الكثيرين الذين ما زال لديهم طموح في تنمية أنفسهم، وتثقيفها وتحسين المستوى التعليمي، والاجتماعي والمهني؛ ولذلك فإن غاية التعليم عن بعد الأساسية هي مساعدة هؤلاء في بلوغ أهدافهم حيث يعجز التعليم التقليدي عن ذلك.
- إيجاد الظروف التعليمية الملائمة والتي تناسب حاجات الدارسين للاستمرار في التعلم ( التربية المستمرة ) ؛ فالتعليم عن بعد يتصف بالمرونة، والقدرة على التكيف مع كافة الظروف التعليمية للدارسين؛ فهو يلائم ربات البيوت، والمزارعين، والصناعيين، والموظفين.
- تقديم البرامج الثقافية لكافة المواطنين، وتوعيتهم، وتزويدهم بالمعرفة؛ فاستخدام وسائل الاتصال الحديثة كالتلفاز، والأقمار الصناعية، وبث البرامج التعليمية من خلالها؛ فإن الفائدة منها لا تقتصر على الدارسين فحسب، ولكنها تتناول كافة المواطنين، وهو أمر لا يقدر عليه التعليم التقليدي.
- مضاعفة فرص التعليم للنساء وربات البيوت، وبخاصة في المجتمعات التي تعاني فيها النساء من قلة فرص المشاركة في الأنواع التقليدية والتدريب، كما يمكن أن يكون الخيار الوحيد للطلبة الذين يعيشون بعيدا جدا عن مؤسسات التعليم التقليدية حيث يتم التعليم بالمواجهة المباشرة، أو ممن فاتتهم فرص التعليم لسبب، أو لآخر.
- القادم يتميز بتطور هائل في الجوانب المعرفية والتقنية مما يفرض على كافة أنماط التعليم تحديا كبيرا يتمثل بضرورة التكيف، والمواءمة بين المجتمع، وهذه التطورات، والتعليم عن بعد هو الأقدر على ملاحقة هذه التطورات الحالية، والمتوقعة نظرا لتمتعه بمرونة تسمح بتعديل محتوى التعليم، وأهدافه من حين لآخر.
- الإسهام في محو الأمية وتعليم الكبار، إن قضية محو الأمية، وتعليم الكبار لاسيما في الدول العربية ما زالت الشغل الشاغل لكافة التربويين نظرا إلى ما يعترض تنفيذ البرامج في هذا المجال من المعوقات التي تقلل من إقبال هذه الفئة على التعليم، والتعلم في صفوف نظامية، وفي أوقات محددة؛ لذلك فإن من أهداف التعليم عن بعد التغلب على المعوقات، وتقديم الخدمة التعليمية للأميين، والكبار دون الحاجة إلى الانتظام في صفوف دراسية.
- الوصول إلى شرائح مختلفة تتفاوت أعمارهم، وتتباين خصائصها مما يترجم مفهوم ديمقراطية التعليم إلى واقع مشاهد.
- تلبية حاجة المجتمع إلى المؤهلين في مختلف التخصصات مما يساعد على سد حاجاته وتوفير الكوادر المطلوبة.
- توفير فرص الدراسة، والتعليم المستمر لمن تعوزهم قدراتهم، أو إمكاناتهم عن ذلك في إطار أشكال التعليم التقليدي مما يساعد على إشباع حاجاتهم النفسية، وبث الثقة في إمكاناتهم، والقدرة على تخطي الصعاب التي تواجههم، وليس الاستسلام لهما.
- دعم الاستقرار في المجتمع بما يوفره من فرص التعليم أمام القطاعات البعيدة عن مناطق الدراسة التي تعاني من الإهمال فيما تقدمه لها من خدمات لكونها في مناطق نائية يصعب على الأفراد الانتقال منها.
- رفع المستوى الثقافة بين الأفراد، ونشر وسائل المعرفة في قطاعات المجتمع في ميادين التخصص المختلفة مما يساعد الأفراد في هذه القطاعات على القيام بمهامها في التنمية.
- توفير فرص التعليم العالي، والتدريب في مختلف مجالات المعرفة، والعلم، والتقانة لأكبر عدد ممكن من أفراد الشعب، والأمة العربية، ممن فاتتهم فرص هذا التعليم، والتدريب، وذلك بتيسير وصول المعرفة إليهم في أماكن إقامتهم، وبمعنى آخر نقل المعرفة إلى الدارس حيثما وجد بدلا من حضوره إلى الجامعة كما هو الحال في الجامعات المقيمة، وقد عززت هذا الاتجاه مؤخرا التطورات التقنية المتسارعة التي سهلت نقلت المعلومات ونشرها، كما سهلت الاتصال بين الدارسين من جهة، ومدرسيهم، والمراكز الدراسية من جهة أخرى.
- تحويل التعليم إلى تعلم، وبالتالي التركيز على المتعلم، والعملية التعليمية الذاتية؛ لأن المتعلم شأنه شأن الأكل لا يتم التعلم إلا بجهده، ونشاطه في هضم المعلومات وفقا لحاجاته الذاتية، ومراعاة لظروفه، وبرامجه الذاتية، وسرعته اكتساب المعلومات، والمهارات العقلية، والحركية، وبهذا تلقى مسؤولية كبرى للتعليم على المتعلم.
- تمكين الطلبة من الدراسة متى يشاؤون، كما يتيح لهم اختيار المقررات الدراسية التي لها علاقة بعملهم، أو اهتماماتهم، أو أوضاع حياتهم الخاصة.
- تمكين الطلبة من الجمع بين الدراسة، والعمل، أو التدريب في موقع العمل كتدريب المعلمين في أثناء الخدمة.
- توفير فرص التعليم والتدريب في أثناء الخدمة للفئات المنخرطة فعلا في سوق العمل.
- الإسهام في إعداد الإنسان الذي يمتلك المعارف، والمهارات، والقدرات، والاتجاهات المناسبة التي تمكنه من العمل بصورة مستقلة، أو ضمن عمل للمشاركة في حل مشكلات المجتمع الذي يعيش فيه.
- توفير البرامج التعليمية التي تلبي متطلبات سوق العمل، وخطط التنمية المستدامة على أسس علمية مدروسة.
أنواع التعليم عن بعد
إن التطور التاريخي أثر بشكل كبير في تعدد هذه الأنواع، والأنماط، وكذلك دخول التقنيات الحديثة في حياة الإنسان أثر في تطور التعليم عموما، والتعليم عن بعد خصوصا، ومن هنا وبعد الاطلاع على مزيد من الأبحاث المتخصصة في التعليم عن بعد، يمكن عرض لأهم أنواع التعليم عن بعد فيما يأتي:
النوع الأول : المراسلة
هو المؤسسة التي تقدم تعليما تكون الدراسة فيه عن طريق البريد والمراسلة فقط، وتعد من أقدم الأساليب في إتاحة المواد التعليمية، وأكثرها انتشارا بين المؤسسات التعليمية، ويعتمد على المادة المطبوعة، والجلسات الإشرافية، ويتم توصيل المعلومات للطلبة عن طريق البريد العادي تتيح للمتعلمين عددا من المواد التعليمية مثل الكتب الدراسية، والمواد غير المطبوعة مثل أشرطة الفيديو، والكاسيت، ولا يلتزم الطالب بالحضور، وإنما ترسل له مطبوعات تحتوي على المقررات، والاختبارات، ويقوم الطالب بالإجابة على الاختبارات، وإرسالها للمؤسسة التعليمية، وذلك مقابل رسوم معينة تدفع من قبل الطالب، وقد يتم توصيل المعلومات للطلبة عن طريق أجهزة التخزين الإلكترونية أو شبكة الإنترنت.
النوع الثاني : الانتساب
هو أسلوب تعليمي يتصف بعدم وجود التفاعل بين المحاضر، والطالب، واعتماده على الكتاب المقرر حيث يتم تسجيل الطالب وفق الشروط الموضوعة، ولا يحق للدارس حضور المحاضرات، ولا يلزم بالواجبات، وإنما يحصل على المنهج الدراسي، وأخذ التعليمات من الكلية، وفي نهاية الفصل الدراسي يؤدي الامتحان النهائي للمادة .
النوع الثالث : التعليم عبر الهواء
يتم فيها قبول الطلاب وفق شروط المؤسسة، ولا يلتزم الطالب بالحضور، وإنما تحدد المقررات، ويقوم أعضاء هيئة التدريس بالتدريس عن طريق بث البرامج التعليمية من خلال الإذاعة، والتلفزيون، وأحيانا بواسطة الأقمار الصناعية، ويتم تعزيزها بمحاضرات تلقى مراكز قريبة من أماكن إقامة الطلاب .
النوع الرابع : التعليم المفتوح
هو نظام تعليمي يقوم على فلسفة تؤكد حق الأفراد في الحصول على الفرص التعليمية المتاحة، ويستقبل جميع الراغبين في الانتساب إليه بدون شروط مسبقة؛ فهو تعليم مفتوح للجميع يتميز بالمرونة في الوقت، والمكان، وإتاحة فرص اختيار البرنامج التعليمي الذي يتناسب مع إمكانيات المستفيد.
النوع الخامس : التعليم الإلكتروني
هي المؤسسات التعليمية التي توفر المقررات الدراسية على شبكة الإنترنت، ويمكن للمعلمين بها والطلاب أن يتحاوروا عبر البريد الإلكتروني، والمحادثة الفورية، وغيرها من الوسائل الإلكترونية وتعتمد على التعليم الإلكتروني الذي وسع مفهوم عملية التعليم والتعلم لتتجاوز حدود جدران الفصول التقليدية؛ فهو طريقة للتعليم باستخدام آليات الاتصال الحديثة من حاسب وشبكاته ووسائطه المتعددة من صوت وصورة ورسومات وآليات بحث ومكتبات إلكترونية، وكذلك بوابات الإنترنت، والمقصود هو استخدام التقنية بجميع أنواعها في إيصال المعلومة للمتعلم بأقصر وقت، وأقل جهد، وأكبر فائدة.
النوع السادس : التعليم الافتراضي
هي صيغة من صيغ التعليم عن بعد تقدم غالبا في التعليم الجامعي، وتقدم بنية تعليمية إلكترونية متكاملة لمنح مختلف الدرجات العلمية كالشهادات التدريبية، والجامعية، والعليا باستخدام شبكة الإنترنت لتوصيل البرامج، والمقررات التعليمية، والأبحاث التي تتسم بالكثرة، والتنوع، وذات الجودة العالية، والامتياز دون الحاجة إلى التواجد داخل الحرم الجامعي.
كما تقوم بتوصيل الخدمة التعليمية إلى الجمهور المستهدف في مكانه وفي الوقت الذي يريده، كما يمكن تقييم الطلاب، وتقديم الامتحانات من خلال توظيف تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وشبكة الإنترنت، بالإضافة إلى أنها تعد ذات تنظيمات إدارية بسيطة، وقليلة التكاليف مقارنة بالجامعات التقليدية.
مميزات التعليم عن بعد
لا يمكن إغفال المميزات التي يتميز بها التعليم عن بعد، والتي تتضح في ما يحققه من أهداف متنوعة تسهم في نهضة الأمم، و ما أسهمت به التجارب العالمية في هذا المجال من نجاحات تفرض على الأمة الإسلامية الاستفادة منه في تحقيق التقدم في جميع المجالات العلمية، والفكرية، والثقافية المختلفة، ولعل من أبرز هذه المميزات ما يأتي:
١ - المرونة
فإنه لا يمكن إغفال يتميز التعليم عن بعد بالمرونة التي تظهر في جوانبه المتعددة، ومن أهمها ما يلي:
أ- المرونة في قبول الطلاب بمختلف فئاتهم، وأوضاعهم الاجتماعية والمعيشية، وتجاوز كثير من الشروط المطلوبة لقبول الطلاب في المؤسسات التعليمية.
ب- المرونة في تقديم البدائل المتنوعة للتعليم من وسائل تعليمية، و أساليب تدريبية والتي تخدم أهداف التعليم، وتقديم ذلك في أشكال، ونظم مختلفة لا تتقيد بزمان محدد، أو مكان معين إلا في بعض البرامج.
ج- المرونة في تعديل المحتوى التعليمي بشكل عاجل، وتطويره، والإضافة إليه عند الحاجة لذلك بسهولة.
د- المرونة في تلبية حاجات المجتمع، والمتعلمين وتوفير البرامج المناسبة لهم.
ه- المرونة في التقويم، وفي القدرة على تصحيح الأخطاء، وتعديلها بسهولة.
٢ - القدرة على نشر التعليم
يتميز التعليم عن بعد بقدرته على نشر التعليم لتميزه بتوسيع الطاقة الاستيعابية للطلاب بأعداد ضخمة جدا، وتجاوزه الظروف، والصعوبات المختلفة العائقة للتعليم، والتكيف مع الحاجات المختلفة للمتعلمين، وتقديم البرامج التنموية التطويرية للمجتمع، ونشر مبدأ التعلم الذاتي، و مبدأ ديمقراطية التعليم.
٣ - التكلفة
مقارنة بالتعليم التقليدي يخفض التكلفة التعليمية، و تقل التكلفة كلما زاد عدد الطلاب. كما أن تكلفة التعليم بالنسبة للطالب أيضا منخفضة؛ فانتقال الطالب للمؤسسة التعليمية ذهابا، وعودة، والسكن، وما يلحق ذلك تكلفتها العالية لا تقارن بتكلفة المواد التعليمية التي يحصل عليها الطالب في التعليم عن بعد.
٤ - الاستفادة من الخبرات التعليمية
يسهم التعليم عن بعد في التخفيف من الهجرة العلمية سواء للدراسة في مؤسسات التعليم في البلدان الأخرى، أو للعمل فيها كأعضاء هيئة تدريس، كما يسهم في الاستفادة من الأساتذة المختصين، والخبراء، وخصوصا أبناء الأمة الذين انتقلوا للعمل في المراكز المتخصصة في البلدان الأخرى، في أماكن تواجدهم دون حضورهم للمؤسسة التعليمية التي تقدم التعليم عن بعد.
٥ - الانفصال
يتم هذا التعليم بالانفصال بين الطالب والمعلم سواء في المكان، أو الزمان أو كليهما؛ فلا يتطلب اللقاء المباشر دائما، وإنما في حالات معينة.
٦ - النظام المؤسسي
للمؤسسة التعليمية دور بارز في هذا النوع من التعليم فالمؤسسة هي التي تحدد أهداف التعليم، وأشكاله، وبرامجه، وتحدد أساليب الاتصال بين المعلم، والطالب، ومسؤولة عن التقويم، وتقديم الاعتماد للبرامج التعليمية.
٧ - الاتصال
لا شك في مساهمة التطور التكنولوجي السريع، والهائل لوسائل الاتصال في تيسير التواصل بين المعلم والطالب؛ لذا يستخدم التعليم عن بعد جميع وسائل الاتصال الممكنة للتواصل، واستخدامها في المناقشة، والبحث، وبذا يتميز بإمكانية الاتصال بين المعلم والطالب.
۸ - مسايرة التكنولوجيا
يتميز التعليم عن بعد كثير من برامجه بالتأثير الكبير بالتقنيات المتطورة الحديثة، ووسائل الاتصالات المعاصرة.
٩ - موافقة مبادئ التعلم الإنساني الحديثة
ولعل من أهم ما يميز التعليم عن بعد استجابته لمبادئ التعلم الحديثة كتوفر الدافعية للتعلم، وتفريد التعليم، والتعليم الذاتي، وارتباط التعليم بالحاجات الفردية والشخصية والاجتماعية.
١٠ - القضاء على الكثير من القيود الإدارية والمادية والاجتماعية
يتجاوز التعليم عن بعد الكثير من العوائق التي تحد من إمكانيات الالتحاق كالتوقيت الصارم للدراسة، ومكانها ومتطلبات القبول، وأنظمة التقويم والاختبارات، وكذلك القضاء على إجراءات العمل المرهقة لأعضاء هيئة التدريس، ويحرر إجراءات التعليم من النمطية والتقليدية.
سلبيات التعليم عن بعد
رغم المميزات السابقة للتعليم عن بعد، والحاجة الداعية لتطبيقه في التعليم، وخصوصا التعليم العالي؛ فإن هناك بعض السلبيات التي قد تواجه الداعين للأخذ به، واعتماده كأسلوب جديد للتعليم، ومن أهم هذه السلبيات التي يجب مراعاتها عند تطبيق التعليم عن بعد ما يلي:
- غياب الجانب التربوي في العملية التعليمية في بعض برامج التعليم عن بعد.
- فقدان المناقشات الاجتماعية، والحوارات المباشرة التي تحدث في التعليم التقليدي، وفقدان العلاقات الاجتماعية، مما يشعر الطالب بالعزلة الدراسية، والاجتماعية، ويسبب له الخمول.
- التكلفة العالية للأجهزة الإلكترونية، والتقنيات التعليمية، وتطويرها بما يستجد من مبتكرات تكنولوجية تتسم غالبا بارتفاع الأسعار، وكذلك ضعف بعض الدول، وخصوصا البلدان النامية في وسائل الاتصال كالبريد، والإنترنت، والهاتف لقلة الخدمات التقنية، أو ضعف جودة ما تقدمه تلك الدول من هذه الخدمات.
- الاعتماد على وسائل الاتصال، و مؤسسات الإنتاج، وهي مؤسسات غالبا ليس للمؤسسة التعليمية أي سلطة عليها؛ مما قد يعرض التعليم عن بعد لكثير من الخلل، أو قد يعرضه للخطر.
- التكلفة العالية للتصميم الجيد للمادة التعليمية؛ فإن المادة التعليمية تفقد قيمتها عند ضعف تصميمها، وتكلفة الإنتاج ترتفع كلما ارتفعت جودة هذه المواد، ويمكن التغلب عليها بزيادة أعداد الطلاب.
- أهمية التغذية الراجعة؛ فهي تعد من الركائز الأساسية في هذا النوع من التعليم، وقد تحدث بسبب ضعف التصميم، أو بطء الرد على الطلاب، والاستجابة لرسائلهم.
- الظروف الخارجية التي تحيط بالطالب بحيث تؤثر فيه، وتصيبه بالكسل، وعدم المثابرة على العمل.
- عدم ملائمته للطلبة الضعفاء الذين ليس لديهم مستوى من التحصيل العلمي، وكذلك الذين يفتقرون إلى الانضباط، والتحكم في النفس.
معوقات التعليم عن بعد
نظرا لما يتمتع التعليم عن بعد من حداثة، وتطور في نفس الوقت، فإنه قد يواجه بعض المعوقات التي يجب تجاوزها، والعمل على مواجهتها، والبحث عن حلول لها حتى لا يكتب الفشل للتعليم عن بعد، ولعل من أهم العوائق التي تواجه التعليم عن بعد العائق المالي، وذلك بسبب الفقر، أو عدم الاهتمام الحكومي بالتعليم عن بعد، أو فرض الأنظمة التي تقف ضد قبوله كنظام تعليمي في تلك الدول، وبتجاوز هذه العوائق؛ فإن أبرز العوائق المحتملة للتعليم عن بعد ما يأتي:
١ - الأمية التكنولوجية
إننا نجد أن بعض المجتمعات العربية والإسلامية، وخصوصا البلدان النامية ليس لدى أفرادها القدرة على التعامل مع التكنولوجيا المتطورة كالحاسب الآلي، وأجهزة الاتصال المختلفة، مما يتطلب رفع مستوى الطالب التكنولوجي قبل التدريس بهذا الأسلوب، أو توفير بدائل متنوعة للتعليم.
۲ - الاعتراف والاعتماد
إن عدم الاعتراف بالشهادة التي يحصل عليها الطالب من التعليم عن بعد، أو كونها غير معتمدة كشهادة علمية، من أهم المعوقات التي تؤدي لعدم الإقبال عليه.
٣ - ضعف المادة التعليمية المقدمة للطالب
يعود هذا الضعف إما لعدم الإعداد والتصميم الجيد للمادة التعليمية لعدم التخصص أو قلة الخبرة. أو للتركيز على الوسيلة دون المحتوى. أو للاهتمام بالتكلفة دون النظر للعملية التعليمية بنظرة شاملة؛ لأن تكلفة الإنتاج والتطوير للمواد التعليمية عالية عادة، أو لأن بعض البرامج تشجع الحفظ والاستظهار فقط.
٤ - ضوابط تدفق المعلومات والحقوق الفكرية
نظرا لاتساع المستفيدين من التعليم عن بعد خارج نطاق الدول التي تقدمه فإن بعض الدول قد تفرض بعض الضوابط، والأنظمة التي تقف في سبيل وصول المواد التعليمية، أو تؤخر إيصالها للطلاب، أو قد تمنع بعض البرامج لمخالفتها السياسة العامة أو الدين الرسمي لتلك الدول. كما أن التعليم عن بعد قد يحتاج للاستفادة من مختلف المصادر التي تحتاج لمراعاة ضوابط الملكية الفكرية، وحقوق النشر، وما يتعلق بها من الأنظمة التي يجب مراعاتها لكل بلد على حدا.
٥ - التركيز على برامج محددة إقليمية
إن التعليم عن بعد تعليم يتجاوز حدود المناطق، والجغرافيا، وعند إعداده يجب أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.
٦ - ضعف الدعم المؤسسي
التعليم عن بعد يحتاج للإشراف، والدعم من المؤسسة التعليمية؛ لما يتطلبه من مراجعة مستمرة لما يقدم من برامج تعليمية، و لحاجته لتقديم الدعم المباشر للطلاب، والمساعدة الإدارية المستمرة لهم.
٧ - طول فترة الإعداد
إن التعليم عن بعد يحتاج لوقت أطول في الأعداد بعكس التعليم التقليدي.
٨ - البرامج المتاحة باللغات الأجنبية
يواجه الطالب الراغب الدراسة عن بعد أن البرامج تدرس باللغة الأجنبية التي لا يجيدها، ولا تتوفر بلغته التي يجيدها؛ مما يحد من استفادته من تلك البرامج. كما أن الاهتمام بتعليم اللغة لغير الناطقين بها قبل الدخول في برامج التعليم عن بعد أمر بالغ الأهمية عند إعداد تلك البرامج.
٩ - النظرة السائدة للتعليم عن بعد
النظرة السائدة للتعليم عن بعد بأنه تعليم ثانوي، أو وسيلة تعليمية، وليس نظام قائم بذاته. والاتجاه المعارض لاستخدام التقنية.كل هذه العوائق يجب مواجهتها في مراحل الإعداد، والتخطيط لبرامج التعليم عن بعد، وتتطلب سرعة معالجتها لتتمكن المؤسسات التعليمية للتعليم عن بعد من التوسع وتحقيق الأهداف المرجوة من إنشائها.
الخاتمة
وبالرغم من أن التعليم عن بعد بحاجة لكثير من التخطيط والتدريب، وحاجته للدعم المؤسسي، والحاجة الكبيرة للدعم المادي لتكلفته العالية؛ فإن إمكانياته في نشر العلم، وتوصيل المعلومات، والخبرات للطلاب في كل زمان، ومكان تستحق أن ينظر له بأنه النمط التعليمي المستقبلي الذي يشكل ملامح التعليم القادم بمرونته، وحداثته، وشموليته، ويلبي حاجات مجتمعات القرن الحادي والعشرين.
قائمة المراجع:
عبد الله بن عيضة بن بن ذياب القثامي، إسهام التعليم عن بعد في تحقيق أهداف الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تصور مقترح من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، أطروحة دكتوراء، ١٤٣٤ﻫـ، ص ٣٧.