الفجوة البحثية - مفهومها - أهميتها وأنواعها - أكتشافها وكتابتها
مقدمة: تقوم فكرة المشروعات البحثية على معالجة أو سد فجوة معرفة معينة ؛ فعلى سبيل المثال يجب أن يجيب البحث عن سؤال قد ينبثق أو لا ينبثق عن بحث سابق ، فالأبحاث العلمية وإجراءها يهدف في الغالب إلى سد فجوة بحثية موجودة ، من خلال توفير معارف جديدة ، وهذا السبب الرئيس الذي يقف وراء أهمية تحديد الباحثين للفجوات البحثية في مجال اهتمامهم ، باختصار ، يحاول البحث المساهمة بإثراء الأدب البحثي السابق بمعارف علمية جديدة ، بدلا من تكرار الأفكار الموجودة فعلياً في ميادين البحث . مما سبق يتبين أهمية التعريف بمفهوم الفجوة البحثية ، وأهميتها التطبيقية في الأبحاث العلمية ، وأنواعها ، وطرق الكشف عنها ، وتقييمها لتكون صالحة للبحث .
مفهوم الفجوة البحثية عندما ننظر إلى كلمة فجوة ، فإنه يتبادر إلى أذهاننا ذلك الفراغ الموجود في مكان ما ، أما في مجال البحث العلمي ، فإن الفجوة هي ذلك الفضاء الذي يتعين علينا القيام بسده أو تعلمه ؛ ويتمثل هذا الفضاء في معرفة الباحثين حول مجال بحثي معين ، وهو جانب لم يتم استكشافه في هذا المجال ، ما لم يتم سده أو ردمه بعد عن طريق البحث . بمعنى آخر ، ذلك الجانب المعرفي الذي لا يزال غامضاً ، أو غير مكتشف ، أو يترك ثغرة تثير أسئلة معينة يجب الإجابة عليها من خلال بحث آخر ، بالإضافة إلى ما هو معروف سلفاً عن ظاهرة علمية أو إنسانية معينة .
الفجوة البحثية هي سؤال لم تتم الإجابة عنه ، أو مشكلة بحثية لم يتم بحثها أو التحقق منها من خلال أي من الدراسات أو الأبحاث الموجودة في مجال البحث ، في بعض الأحيان ، تكون الفجوة البحثية مفهوماً أو فكرة بحثية جديدة لم تتم دراستها على الإطلاق . ستجد أحيانا فجوة بحثية إذا كانت جميع الأبحاث الحالية قديمة وبحاجة إلى بحث جديد أو محدث ، كوجود دراسات حول استخدام الإنترنت في عام ٢٠٠١ ، على سبيل المثال ، أو عدم وجود دراسة لمجموعة سكانية معينة ، مثل : وجود الكثير من الدراسات حول المراهقين والألعاب الإلكترونية ، وعدم وجود دراسات كافية حول الأطفال والألعاب الإلكترونية ، وهذه مجرد أمثلة من كثير ، فأي فجوة بحثية تجدها عبارة عن مجال تحتاج فيه إلى إجراء المزيد من الدراسات والمزيد من عمليات البحث والاستقصاء .
توفر الفجوات البحثية فرص للاستكشاف العلمي ، والرؤى النظرية المستقبلية في مختلف التخصصات، ومن هذا المنطلق عرف وانج وآخرون ( 2016 , Wang et . al ) فجوة البحث بأنها موضوع أو مجال يحدد فيه المعلومات الناقصة أو غير الكافية عن طريق الإجابة عن سؤال بحثي معين . كما يعرف روبنسون وآخرون ( 2011 , Robinson et . al ) فجوة البحث كموضوع أو مجال ينقصه المعلومات التي تحد من القدرة على الوصول إلى استنتاج لتفسير ظاهرة ما ؛ مما يجعل من المستحيل على صانعي القرار اتخاذ القرارات أو الإجراءات اللازمة .
كما يكرر ديساناياكي ( 2013 , Dissanayake ) أن فجوة البحث هي القطعة أو القطع المفقودة في الأدبيات البحثية ، أو المجال الذي لم يتم استكشافه بعد ، أو لم يتم استكشافه بشكل كاف ، فيمكن للفجوة البحثية أن تتجاوز اختيار موضوع البحث إلى عمليات البحث الأخرى مثل : عينة الدراسة ( حجمها ، نوعها ، موقعها ) ، المنهجيات البحثية المستخدمة ، أو طرق جمع البيانات وتحليلها ، بالإضافة إلى تضمين متغيرات بحثية أخرى .
أهمية الفجوة البحثية
تتمثل أهمية الفجوة البحثية في أنها نقطة البداية في البحث العلمي ، فيجب أن يبرر الباحث اختيار موضوع البحث من خلال بيان الفجوة البحثية التي سيقوم عمله البحثي في نهاية الأمر بمعالجتها . عندما يتم اختيار موضوع البحث بناء على فجوة بحثية تسهم معالجتها في إثراء التراكم المعرفي في مجال التخصص ، فإنه يبدأ من حيث انتهى الآخرون ، ويوفر بذلك هدر الجهد والوقت في بحث موضوعات قام الباحثون الآخرون بمعالجتها .
يتيح تحديد الفجوة البحثية للباحث ملاحظة تقدمه ، وإسهامه في بناء أدبيات البحث ذات العلاقة بمجال التخصص ، فيزيد بذلك من ثقته ويصبح متهيئا لإنتاج منتجات بحثية إبداعية بعيدة عن التكرار والنمطية ، ليسهم في تحسين النظريات وتطبيقاتها ، مما ينعكس على الاقتصاد المعرفي للمجتمع .
أنواع الفجوات البحثية
أورد ميولروكرانز ( 2014 , Müller & Kranz ) بأن هناك ستة أنماط من الفجوات البحثية ، ويمكن إيجازها كالتالي :
- الفجوة المعرفية: ويقصد الفجوة التي تؤدي معالجتها إلى إضافة معرفة جديدة سواء في موضوع جديد أو موضوع سبق بحثه.
- فجوة التناقضات فجوة بحثية قائمة على مبدأ وجود موضوعات تم بحثها ولكن استنتاجاتها متناقضة منطقياً وتحتاج لبحث آخر .
- الفجوة المنهجية فجوة تتم معالجتها من خلال استخدام أداة جمع بيانات مختلفة عن المستخدمة في موضوع تم بحثه مسبقا.
- الفجوة التجريبية الفجوة التي تؤدي معالجتها إلى التحقق من نتائج الأبحاث الأخرى تجريبيا وتقويمها.
- الفجوة النظرية تتم معالجة أوجه القصور في النظريات العلمية ، وتطبيق النظريات على القضايا البحثية لتوليد رؤى جديدة .
- الفجوة المعاينة تعالج بإجراء بحث على عينات أو مجتمعات لم يتم تمثيلها أو بحثها بشكل كاف في موضوع تم بحثه مسبقا.
- يزيد بعض الباحثين والمؤلفين في أنماط الفجوات البحثية ، حسب ما يرونه جديداً وتجدر الإشارة إليه ، ولكن في المجمل يمكن الاكتفاء بهذه الأنواع ، وبيان تبرير اختيار الفجوات البحثية في ضوئها .
اكتشاف الفجوة البحثية
يمكن للباحثين اكتشاف الفجوات البحثية من خلال عدة استراتيجيات من أهمها :
- الاطلاع الشامل والدقيق على جميع الدراسات التي تم إجراؤها حول موضوع الدراسة ، وتحديد إسهاماتها في فهم الظاهرة محل الدراسة .
- الاطلاع على مقترحات الدراسات السابقة حول موضوع البحث ، لأن الباحثين السابقين سيوجهونها نحو فجوات بحثية يرون أهمية دراستها في المستقبل .
- يمكن الحصول بشكل مباشر من المشرف الأكاديمي على فجوة بحثية جديرة بالدراسة ، أو تقع في مجال اهتمام المشرف والطالب معاً.
- قراءة الكتب المرجعية المحررة الخاصة بمجال التخصص فإنها بطبيعة الحال تحتوي على دراسات موثوقة تم إجراؤها حول موضوع الدراسة وفق التسلسل الزمني .
- الاطلاع على دراسات المراجعة ( Systematic review ) التي يقوم بعض الباحثين بإجرائها حول موضوعات معينة ، لأنها تحتوي على الفجوات البحثية التي لم يتم بحثها حول الموضوع .
- الحضور المستمر للمؤتمرات والندوات العلمية التخصصية ، فيمكن من خلال توصياتها الحصول على فجوات بحثية متعددة.
- الاطلاع المستمر على مستحدثات التخصص وتوجهاته الحديثة ، لأن الفجوات البحثية المعرفية ترافق الجديد على ساحة التخصص.
- الاطلاع على بنوك الأفكار البحثية التي تتبناها بعض المنظمات والمجموعات البحثية المختلفة ومناقشتها مع المختصين لتحديد الفجوات البحثية .
كتابة الفجوة البحثية
يتساءل الباحثون عادة أ تتم كتابة الفجوة البحثية في البحث ؟ وهل يمكن كتابتها في أكثر من موضع ؟ في حقيقة الأمر يمكن كتابة الفجوة البحثية في أكثر من موضع في الدراسات والرسائل العلمية، ويمكن عرض هذه المواضع بإيجاز كالتالي :
- نهاية مقدمة البحث في الفصل الأول من الرسالة أو الدراسة أو الخطط البحثية ، وذلك بعد عرض المفاهيم الأساسية للبحث وطبيعة تفاعلها وعلاقاتها.
- في مشكلة الدراسة ، وذلك بهدف تبرير الحاجة لإجراء الدراسة ، من خلال بيان أهمية سد الفجوة أو معالجتها.
- في بناء الجدل العلمي الخاص بالدراسات السابقة أو الأدب البحثي بشكل عام ، لبيان موقع الدراسة وإسهامها الجديد في التراكم المعرفي في مجال الأدب البحثي ذي العلاقة.
- في نتائج الدراسة ، حيث يقوم الباحث بربط الاستنتاجات ونقاش النتائج بالفجوة البحثية ، وكيف أسهمت في ردم هذه الفجوة ومعالجتها .
قائمة المراجع:
1- Creswell, 1, W. & Creswell, J. D. (2018) Research Design: Qualitative, Quantitative, and Mixed Methods Approaches (Sth Ed). SAGE Publications Inc.
2- Dissanayake, W. (2013). Research, research gap and the research problem Munich Personal RePEc Archive.
3- Mills, G E., & Gay, L.R. (2018). Educational Research Competencies for Analysis and Applications Pearson.
4- Müller-Bloch, C. & Kranz, (2014) A Framework for Rigorously identifying Research Gaps in Qualitative Literature Reviews, The Thirty Sixth International Conference on Information Systems, Fort Worth, 1-19.
5- Robinson, K. A. Saldanha, I. 1. & McKay, IN A (2011). Frameworks for determining research gaps during systematic reviews Agency for Healthcare Research and Quality.
6- Wang, Q., Wang, X., Chen, Y., & Yang, K. (2016). Research gap of guidelines might be an important approach to prioritization Joumal of clinical epidemiology, 69, pp 251-252.
6- مفهوم الفجوة البحثية، د. حمد بن محمد القحطاني، الأصدار الأول،٢٠٢١.